ولام التعريف في (الْكِتابَ) لتعريف الجنس ، أي إنزال الكتب وهو ينظر إلى قوله آنفا : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) [الشورى : ١٥].
والباء في (بِالْحَقِ) للملابسة ، أي أنزل الكتب مقترنة بالحق بعيدة عن الباطل.
والحق : كلّ ما يحق ، أي يجب في باب الصلاح عمله ويصح أن يفسر بالأغراض الصحيحة النافعة.
و (الْمِيزانَ) حقيقته : آلة الوزن ، والوزن : تقدير ثقل جسم ، والميزان آلة ذات كفتين معتدلتين معلقتين في طرفي قضيب مستو معتدل ، له عروة في وسطه ، بحيث لا تتدلى إحدى الكفتين على الأخرى إذا أمسك القضيب من عروته. والميزان هنا مستعار للعدل والهدي بقرينة قوله (أَنْزَلَ) فإن الدّين هو المنزل والدّين يدعو إلى العدل والإنصاف في المجادلة في الدّين وفي إعطاء الحقوق ، فشبه بالميزان في تساوي رجحان كفتيه قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد : ٢٥].
وجملة (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) معطوفة على جملة (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) ، والمناسبة هي ما ذكرناه من إيذان تلك الجملة بمقدّر.
وكلمة (وَما يُدْرِيكَ) جارية مجرى المثل ، والكاف منها خطاب لغير معيّن بمعنى : قد تدري ، أي قد يدري الداري ، ف (ما) استفهامية والاستفهام مستعمل في التنبيه والتهيئة. و (يُدْرِيكَ) من الدراية بمعنى العلم. وقد علّق فعل (يدري) عن العمل بحرف الترجّي. وعن ابن عباس كل ما جاء فعل (ما أدراك) فقد أعلمه الله به أي بينه له عقب كلمة (ما أدراك) نحو (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ) [القارعة : ١٠ ، ١١] وكل ما جاء فيه (وَما يُدْرِيكَ) لم يعلمه به أي لم يعقبه بما يبين إبهامه نحو (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [عبس : ٣]. ولعل معنى هذا الكلام أن الاستعمال خص كل صيغة من هاتين الصيغتين بهذا الاستعمال فتأمل.
والمعنى : أي شيء يعلمك أيها السامع الساعة قريبا ، أي مقتضي علمك متوفر ، فالخطاب لغير معين ، وفي معناه قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة الأنعام [١٠٩].
والإخبار عن (السَّاعَةَ) ب (قَرِيبٌ) وهو غير مؤنث لأنه غلب لزوم كلمة قريب وبعيد للتذكير باعتبار شيء كقوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزاب :