أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [القلم : ١٧] وقال : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ) إلى قوله : (وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) وقد تقدم في سورة آل عمران [١٤].
والحرث في هذه الآية تمثيل للإقبال على كسب ما يعده الكاسب نفعا له يرجو منه فائدة وافرة بإقبال الفلّاح على شقّ الأرض وزرعها ليحصل له سنابل كثيرة وثمار من شجر الحرث ، ومنه قول امرئ القيس :
كلانا إذا ما نال شيئا أفاته |
|
ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل |
وإضافة (حَرْثَ) إلى (الْآخِرَةِ) وإلى (الدُّنْيا) على معنى اللام كقوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) [الإسراء : ١٩] ، وهي لام الاختصاص وهو في مثل هذا اختصاص المعلّل بعلته ، وما لام التعليل إلا من تصاريف لام الاختصاص.
ومعنى (يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) يبتغي عملا لأجل الآخرة. وذلك المريد : هو المؤمن بالآخرة لأن المؤمن بالآخرة لا يخلو عن أن يريد الآخرة ببعض أعماله كثيرا كان أو قليلا ، والذي يريد حرث الدّنيا مراد به : من لا يسعى إلا لعمل الدّنيا بقرينة المقابلة بمن يريد حرث الآخرة ، فتعيّن أن مريد حرث الدّنيا في هذه الآية : هو الذي لا يؤمن بالآخرة. ونظيرها في هذا قوله تعالى في سورة هود [١٥ ، ١٦] (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، ألا ترى إلى قوله : (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّار) [هود : ١٦] وقوله في سورة الإسراء [١٨ ، ١٩] (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً* وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).
وفعل (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) يتحمل معنيين : أن تكون الزيادة في ثواب العمل ، كقوله: (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] ، وسيأتي قريبا قوله : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) [الشورى : ٢٣]. وعلى هذا فتعليق الزيادة بالحرث مجاز عقلي علقت الزيادة بالحرث وحقّها أن تعلق بسببه وهو الثواب ، فالمعنى على حذف مضاف. وأن تكون الزيادة في العمل ، أتي نقدر له العون على الازدياد من الأعمال الصالحة ونيسّر له ذلك فيزداد من الصالحات. وعلى هذا فتعليق الزيادة بالحرث حقيقة فيكون من استعمال المركب في حقيقته ومجازه العقليين.