على (مِمَّا كَسَبُوا) باعتبار تقدير مضاف ، أي جزاء ما كسبوا ، أي في حال أن الجزاء واقع عليهم.
وجملة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) حال من الظّالمين ، والواو واو الحال ، أي ترى الظالمين في إشفاق في حال أن الذين آمنوا يطمئنون في روضات الجنات ، وفي هذه الحال دلالة على أن الذين آمنوا قد استقرّوا في الروضات من قبل عرض الظالمين على الحساب وإشفاقهم من تبعاته. وهذا من تضاد شأني الفريقين في الآخرة على عكسه بما كانوا عليه في الدّنيا المتقدم في قوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) [الشورى : ١٨] ، أي فاليوم انقلب إشفاق المؤمنين اطمئنانا واطمئنان المشركين إشفاقا ، وشتّان بين الاطمئنانين والإشفاقين ، وبهذه المضادة في الحالتين وأسبابهما صحّ اعتبار كينونة الذين آمنوا في الجنة حالا من (الظَّالِمِينَ).
والروضات : جمع روضة ، وهي اسم لمجموع ماء وشجر حافّ به وخضرة حوله.
وجملة (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) خبر ثان عن (الَّذِينَ آمَنُوا) ، و (عِنْدَ) ظرف متعلق بالكون الذي تعلق به الجار والمجرور في (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ).
والعندية تشريف لمعنى الاختصاص الذي أفادته اللام في قوله : (لَهُمْ) وعناية بما يعطونه من رغبة. والمعنى : ما يشاءونه حق لهم محفوظ عند ربهم. ولا ينبغي جعل (عِنْدَ) متعلقا بفعل (يَشاؤُنَ) لأن (عِنْدَ) حينئذ تكون ظرفا لمشيئتهم ، أي مشيئة منهم متوجهة إلى ربّهم ، فتؤول المشيئة إلى معنى الطلب أن يعطيهم ما يطلبون فيفوت قصد التشريف والعناية.
ولك أن تجعل عند ربّهم خبرا ثالثا عن الذين آمنوا ، أي هم عند ربّهم ، أي في ضيافته وقراه ، كما قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٤ ، ٥٥] ، ويكون ترتيب الأخبار الثلاثة جاريا على نمط الارتقاء من الحسن إلى الأحسن بأن : أخبر عنهم بأنهم نزلوا في أحسن منزل ، ثم أحضر لهم ما يشتهون ، ثم ارتقي إلى ما هو أعظم وهو كونهم عند ربهم على حد قوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢]. ومن لطائف هذا الوجه أنه جاء على الترتيب المعهود في الحصول في الخارج فإن الضيف أو الوافد ينزل أول قدومه في منزل إكرام ثم يحضر إليه القرى ثم يخالطه رب المنزل ويقترب منه.