[٥٥]. والمراد : من بعد ما قنطوا من الغيث بانقطاع أمارات الغيث المعتادة وضيق الوقت عن الزرع.
وصيغة القصر في قوله : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) تفيد قصر القلب لأن في السامعين مشركين يظنون نزول الغيث من تصرف الكواكب وفيهم المسلمون الغافلون ، نزلوا منزلة من يظن نزول الغيث منوطا بالأسباب المعتادة لنزول الغيث لأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن المطر من تصرف أنواء الكواكب.
وفي حديث زيد بن خالد الجهني قال : «خطبنا رسول الله على إثر سماء كانت من الليل فقال : أتدرون ما ذا قال ربكم؟ قال ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب». فهذا القصر بالنسبة للمشركين قصر قلب أصلي وهو بالنسبة للمسلمين قصر قلب تنزيلي.
والنشر : ضد الطّيّ ، وتقدم عند قوله تعالى : (يَلْقاهُ مَنْشُوراً) في سورة الإسراء [١٣]. واستعير هنا للتوسيع والامتداد. والرحمة هنا : رحمته بالماء ، وقيل : بالشمس بعد المطر. وضمير (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) عائد إلى عباده من قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشورى : ٢٥].
وقد قيل : إن الآية نزلت بسبب رفع القحط عن قريش بدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم بهم بذلك بعد أن دام عليهم القحط سبع سنين أكلوا فيها الجيف والعظام وهو المشار إليه بقوله في سورة الدخان [١٥] (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ).
في «الصحيح» عن عبد الله بن مسعود «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دعا قريشا كذّبوه واستعصوا عليه فقال : اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف. فأتاه أبو سفيان فقال : يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم فدعا. ثم قال : تعودون بعد». وقد كان هذا في المدينة ويؤيده ما روي أن هذه الآية نزلت في استسقاء النبي صلىاللهعليهوسلم لما سأله الأعرابي وهو في خطبة الجمعة. وفي رواية أن الذي كلمه هو كعب بن مرة وفي بعض الروايات في «الصحيح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : اللهم عليك بقريش اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر (يُنَزِّلُ) بفتح النون وتشديد الزاي. وقرأه الباقون بسكون النون وتخفيف الزاي.