الكافر بالله مثل الزمخشري والقرطبي والطيبي ، ومنهم من حملها على ما يعم أصناف الناس مثل الطبري والبغوي والنسفي وابن كثير. ومنهم من حملها على إرادة المعنيين على أن أولهما هو المقصود والثاني مندرج بالتبع وهذه طريقة البيضاوي وصاحب الكشف ومنهم من عكس وهي طريقة الكواشي في تلخيصه. وعلى الوجهين فالمراد ب (الْإِنْسانَ) في الموضع الأول والموضع الثاني معنى واحد وهو تعريف الجنس المراد به الاستغراق ، أي إذا أذقنا الناس ، وأن الناس كفورون ، ويكون استغراقا عرفيا أريد به أكثر جنس الإنسان في ذلك الزمان والمكان لأن أكثر نوع الإنسان يومئذ مشركون ، وهذا هو المناسب لقوله : (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) أي شديد الكفر قويه ، ولقوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي من الكفر. وإنما عدل عن التعبير بالناس إلى التعبير بالإنسان للإيماء إلى أن هذا الخلق المخبر به عنهم هو من أخلاق النوع لا يزيله إلا التخلق بأخلاق الإسلام فالذين لم يسلموا باقون عليه ، وذلك أدخل في التسلية لأن اسم الإنسان اسم جنس يتضمن أوصاف الجنس المسمى به على تفاوت في ذلك وذلك لغلبة الهوى. وقد تكرر ذلك في القرآن مرارا كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] وقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات : ٦] وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف : ٥٤]. وتأكيد الخبر بحرف التأكيد لمناسبة التسلية بأن نزّل السامع الذي لا يشك في وقوع هذا الخبر منزلة المتردد في ذلك لاستعظامه إعراضهم عن دعوة الخير فشبّه بالمتردد على طريقة المكنية ، وحرف التأكيد من روادف المشبه به المحذوف.
والإذاقة : مجاز في الإصابة.
والمراد بالرحمة : أثر الرحمة ، وهو النعمة. فالتقدير : وإنا إذا رحمنا الإنسان فأصبناه بنعمة ، بقرينة مقابلة الرحمة بالسيئة كما قوبلت بالضراء في قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) في سورة فصّلت [٥٠].
والمراد بالفرح : ما يشمل الفرح المجاوز حد المسرة إلى حد البطر والتجبر ، على نحو ما استعمل في آيات كثيرة مثل قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] لا الفرح الذي في مثل قوله تعالى : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران : ١٧٠].
وتوحيد الضمير في (فَرِحَ) لمراعاة لفظ الإنسان وإن كان معناه جمعا ، كقوله : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) [الحجرات : ٩] أي الطائفة التي تبغي ، فاعتدّ بلفظ طائفة دون معناه مع