فالقسم بالقرآن تنويه بشأنه وهو توكيد لما تضمنه جواب القسم إذ ليس القسم هنا برافع لتكذيب المنكرين إذ لا يصدّقون بأن المقسم هو الله تعالى فإن المخاطب بالقسم هم المنكرون بدليل قوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وتفريع (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزخرف : ٥] عليه. وتوكيد الجواب ب (إنّ) زيادة توكيد للخبر أن القرآن من جعل الله.
وفي جعل المقسم به القرآن بوصف كونه مبينا ، وجعل جواب القسم أن الله جعله مبينا ، تنويه خاص بالقرآن إذ جعل المقسم به هو المقسم عليه ، وهذا ضرب عزيز بديع لأنه يومئ إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فإذا أراد المقسم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أولى بالقسم به للتناسب بين القسم والمقسم عليه. وجعل صاحب «الكشاف» من قبيله قول أبي تمام :
وثناياك إنها اغريض |
|
ولآل تؤم وبرق وميض |
إذ قدر الزمخشري جملة (إنها اغريض) جواب القسم وهو الذي تبعه عليه الطيبي والقزويني في شرحيهما «للكشاف» ، وهو ما فسر به التبريزي في شرحه لديوان أبي تمام ، ولكن التفتازانيّ أبطل ذلك في شرح «الكشاف» وجعل جملة (إنها اغريض) استئنافا أي اعتراضا لبيان استحقاق ثناياها أن يقسم بها ، وجعل جواب القسم قوله بعد أبيات ثلاثة :
لتكادني غمار من الأح |
|
داث لم أدر أيّهن أخوض |
والنكت والخصوصيات الأدبية يكفي فيها الاحتمال المقبول فإن قوله قبله :
وارتكاض الكرى بعينيك في الن |
|
وم فنونا وما بعيني غموض |
يجوز أن يكون قسما ثانيا فيكون البيت جوابا له.
وإطلاق اسم الكتاب على القرآن باعتبار أن الله أنزله ليكتب وأنّ الأمة مأمورون بكتابته وإن كان نزوله على الرّسول صلىاللهعليهوسلم لفظا غير مكتوب. وفي هذا إشارة إلى أنه سيكتب فى المصاحف ، والمراد ب (الْكِتابِ) ما نزل من القرآن قبل هذه السورة وقد كتبه كتّاب الوحي.
وضمير (جَعَلْناهُ) عائد إلى (الْكِتابِ) ، أي إنا جعلنا الكتاب المبين قرآنا والجعل : الإيجاد والتكوين ، وهو يتعدّى إلى مفعول واحد.
والمعنى : أنه مقروء دون حضور كتاب فيقتضي أنه محفوظ في الصدور ولو لا ذلك