تعالى : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣] ويكون المراد بكونهم أمّة واحدة اتحادهم في الثراء.
والمعنى : لو لا أن تصير أمة من الأمم أهل ثروة كلهم أي وذلك مخالف لما قدره الله من اشتمال كل بلد وكل قبيلة وكل أمة على أغنياء ومحاويج لإقامة نظام العمران واحتياج بعضهم لبعض ، هذا لماله ، وهذا لصناعته ، وآخر لمقدرة بدنه لجعلنا من يكفر بالرحمن وهم أهل مكة سواء في الثراء والرفاهية. وعلى كلا الاحتمالين يتلخص من المعنى أن الثراء والرفاهية لا يقيم المدبر الحكيم لهما وزنا فلا يمسكهما عن الناكبين عن طريق الحق والكمال ، فصار الكلام يقتضي مقدّرا محذوفا تقديره لكن لا يكون النّاس سواء في الغنى لأنّا لم نجعل ذلك لأنا قدرنا في نظام الكون البشري أن لا تكون أمة من الأمم أو قبيلة أو أهل بلدة أغنياء ليس فيهم محاويج لأنّه يفضي إلى انخرام نظام الاجتماع وارتفاع احتياج بعضهم لبعض فيهلك مجتمعهم ، والله أراد بقاءهم إلى أجل هم بالغوه.
ويرجح هذا جعل متعلق فعل (يَكْفُرُ) خصوص وصف الرحمن فإن مشركي مكة أنكروا وصف الرحمن (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] وقد تكرر التورّك عليهم بذلك في آي كثيرة.
ومعنى (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ) لقدّرنا في نظام المجتمع البشري أسباب الثراء متصلة بالكفر بالله بحيث يكون الكفر سببا ومجلبة للغنى ، ولو أراد الله ذلك لهيّأ له أسبابه في عقول النّاس وأساليب معاملاتهم المالية فدل هذا على أن الله منع أسباب تعميم الكفر في الأرض لطفا منه بالإيمان وأهله وإن كان لم يمنع وقوع كفر جزئي قليل أو كثير حفظا منه تعالى لناموس ترتيب المسببات على أسبابها. وهذا من تفاريع التفرقة بين الرضى والإرادة فلا يرضى لعباده الكفر ولو شاء ربّك ما فعلوه.
واللام في قوله : (لِبُيُوتِهِمْ) مثل اللام في قوله : (لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ) ، أي لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن فيكون قوله (لِبُيُوتِهِمْ) بدل اشتمال ممّن يكفر بالرحمن. وإنما صرح بتكرير العامل للتوكيد كما فعلوا في البدل من المستفهم عنه في نحو : من ذا أسعيد أم علي؟ فقرنوا البدل بأداة استفهام ولم يقولوا : من ذا سعيد أم علي؟ وتقدم عند قوله تعالى : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) في سورة الأنعام [٩٩].
ونكتة هذا الإبدال تعليق المجرور ابتداء بفعل الجعل ثم الاهتمام بذكر من يكفر بالرحمن في هذا المقام المقصود منه قرنه مع مظاهر الغنى في قرن التحقير ، ثم يذكر ما