منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.
وحقيقة الصاعقة : نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه ، وتقدم ذكرها في قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) في سورة البقرة [١٩]. وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاك ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عاد وثمود ، وعاد لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمود أهلكوا بالصاعقة فقد استعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه ، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصد الإيجاز ، وليقع الإجمال ثم التفصيل بعد بقوله : (فَأَمَّا عادٌ) [فصلت : ١٥] إلى قوله : (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت : ١٧].
و (إِذْ) ظرف للماضي ، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات. روى ابن إسحاق في سيرته أن عتبة بن ربيعة كلم النبي صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم : (حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حتى بلغ (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١ ـ ١٣] الآية ، فأمسك عتبة على فم النبي صلىاللهعليهوسلم وقال له : «ناشدتك الله والرحم».
وضمير (جاءَتْهُمُ) عائد إلى عاد وثمود باعتبار عدد كل قبيلة منهما. وجمع الرسل هنا من باب إطلاق صيغة الجمع على الاثنين مثل قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤] ، والقرينة واضحة وهو استعمال غير عزيز ، وإنما جاءهم رسولان هود وصالح.
وقوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) تمثيل لحرص رسول كل منهم على هداهم بحيث لا يترك وسيلة يتوسل بها إلى إبلاغهم الدين إلا توسل بها. فمثّل ذلك بالمجيء إلى كل منهم تارة من أمامه وتارة من خلفه لا يترك له جهة ، كما يفعل الحريص على تحصيل أمر أن يتطلبه ويعيد تطلبه ويستوعب مظانّ وجوده أو مظانّ سماعه ، وهذا التمثيل نظير الذي في قوله تعالى حكاية عن الشيطان (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧].
وإنما اقتصر في هذه الآية على جهتين ولم تستوعب الجهات الأربع كما مثل حال الشيطان في وسوسته لأن المقصود هنا تمثيل الحرص فقط وقد حصل ، والمقصود في الحكاية عن الشيطان تمثيل الحرص مع التلهف تحذيرا منه وإثارة لبغضه في نفوس الناس. و (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) تفسير لجملة (جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ) لتضمن المجيء معنى الإبلاغ بقرينة كون فاعل المجيء متصفا بأنهم رسل ، فتكون (أن) تفسيرية ل (جاءَتْهُمُ) بهذا التأويل