يكون جرى في أثناء المجادلة في شأن عيسى ، ويحتمل أن يكون مجرد حكاية شبهة أخرى من شبه عقائدهم ، ففي هذه الآية إجمال يبينه ما يعرفه النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون من جدل جرى مع المشركين ، ويزيده بيانا قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الزخرف : ٥٩] وهذه الآية من أخفى آي القرآن معنى مرادا.
وقد اختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية وما يبين إجمالها على ثلاثة أقوال ذكرها في «الكشاف» وزاد من عنده احتمالا رابعا. وأظهر الأقوال ما ذكره ابن عطية عن ابن عباس وما ذكره في «الكشاف» وجها ثانيا ووجها ثالثا أن المشركين لما سمعوا من النبيصلىاللهعليهوسلم بيان (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) .. (كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩] وليس خلقه من دون أب بأعجب من خلق آدم من دون أب ولا أم أو ذلك قبل أن تنزل سورة آل عمران لأن تلك السورة مدنية وسورة الزخرف مكية قالوا : نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدميا ونحن عبدنا الملائكة أي يدفعون ما سفههم به النبي صلىاللهعليهوسلم بأن حقه أن يسفه النصارى فنزل قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) الآية ولعلهم قالوا ذلك عن تجاهل بما جاء في القرآن من ردّ على النصارى.
والذي جرى عليه أكثر المفسرين أن سبب نزولها الإشارة إلى ما تقدم في سورة الأنبياء [٩٨] عند قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) إذ قال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه للنبي صلىاللهعليهوسلم : أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم» ، قال : «خصمتك ورب الكعبة ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبيء وقد عبدته النصارى فإن كان عيسى في النّار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه» ففرح بكلامه من حضر من المشركين وضجّ أهل مكة بذلك فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) في سورة الأنبياء [١٠١] ونزلت هذه الآية تشير إلى لجاجهم.
وبعض المفسرين يزيد في رواية كلام ابن الزبعرى : وقد عبدت بنو مليح الملائكة فإن كان عيسى والملائكة في النّار فقد رضينا. وهذا يتلاءم مع بناء فعل (ضُرِبَ) للمجهول لأن الذي جعل عيسى مثلا لمجادلته هو عبد الله بن الزبعرى ، وليس من عادة القرآن تسمية أمثاله ، ولو كان المثل مضروبا في القرآن لقال : ولما ضربنا ابن مريم مثلا ، كما قال بعده (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الزخرف : ٥٩]. ويتلاءم مع تعدية فعل (يَصِدُّونَ) بحرف (من) الابتدائية دون حرف (عن) ومع قوله : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً