بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) لأن الظاهر أن ضمير النصب في (ضَرَبُوهُ) عائد إلى ابن مريم.
والمراد بالمثل على هذا الممثّل به والمشبّه به ، لأن ابن الزبعرى نظّر آلهتهم بعيسى في أنها عبدت من دون الله مثله فإذا كانوا في النار كان عيسى كذلك. ولا يناكد هذا الوجه إلا ما جرى عليه عد السور في ترتيب النزول من عدّ سورة الأنبياء التي كانت آيتها سبب المجادلة متأخرة في النزول عن سورة الزخرف ولعل تصحيح هذا الوجه عندهم بكر بالإبطال على من جعل سورة الأنبياء متأخرة في النزول عن سورة الزخرف بل يجب أن تكون سابقة حتى تكون هذه الآية مذكّرة بالقصة التي كانت سبب نزول سورة الأنبياء ، وليس ترتيب النزول بمتفق عليه ولا بمحقق السند فهو يقبل منه ما لا معارض له. على أنه قد تنزل الآية ثم تلحق بسورة نزلت قبلها.
فإذا رجح أن تكون سورة الأنبياء نزلت قبل سورة الزخرف كان الجواب القاطع لابن الزبعرى في قوله تعالى فيها : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء: ١٠١] لأنه يعني أن عدم شمول قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] لعيسى معلوم لكل من له نظر وإنصاف لأن الحكم فيها إنما أسند إلى معبودات المشركين لا إلى معبود النصارى وقليل من قبائل العرب التي لم تقصد بالخطاب القرآني أيامئذ ، ولما أجابهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأن الآية لجميع الأمم إنما عنى المعبودات التي هي من جنس أصنامهم لا تفقه ولا تتصف بزكاء ، بخلاف الصالحين الذين شهد لهم القرآن برفعة الدرجة قبل تلك الآية وبعدها ، إذ لا لبس في ذلك ، ويكون الجواب المذكور هنا في سورة الزخرف بقوله : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) جوابا إجماليا ، أي ما أرادوا به إلا التمويه لأنهم لا يخفى عليهم أن آية سورة الأنبياء تفيد أن عيسى ليس حصب جهنم ، والمقام هنا مقام إجمال لأن هذه الآية إشارة وتذكير إلى ما سبق من الحادثة حين نزول آية سورة الأنبياء.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر وخلف (يَصِدُّونَ) بضم الصاد من الصدود إما بمعنى الإعراض والمعرض عنه محذوف لظهوره من المقام ، أي يعرضون عن القرآن لأنهم أوهموا بجدلهم أن في القرآن تناقضا ، وإما على أن الضم لغة في مضارع صدّ بمعنى ضجّ مثل لغة كسر الصاد وهو قول الفراء والكسائي. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب بكسر الصاد وهو الصد بمعنى الضجيج والصخب. والمعنى : إذا قريش قومك يصخبون ويضجّون من احتجاج ابن