(٥٠))
لما ذكر الله فريقا مرحومين على وجه الإجمال قابله هنا بفريق معذّبون وهم المشركون ، ووصف بعض أصناف عذابهم وهو مأكلهم وإهانتهم وتحريقهم ، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم كما قال في سورة الواقعة [٥١ ، ٥٢] (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) الآية ، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة. وقد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة التي نزلت قبل سورة الدخان فإن الواقعة عدت السادسة والأربعين في عداد نزول السور وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام ، كما قال تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) [الصافات : ٦٥ ، ٦٦].
وكتبت كلمة (شَجَرَةَ) في المصاحف بتاء مفتوحة مراعاة لحالة الوصل وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف ، فهذا مما جاء على خلاف الأصل.
و (الْأَثِيمِ) : الكثير الآثام كما دلت عليه زنة فعيل. والمراد به : المشركون المذكورون في قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) [الدخان : ٣٤ ، ٣٥] ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه.
وتقدم الكلام على شجرة الزقوم في سورة الصافات [٦٢] عند قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ).
والمهل بضم الميم درديّ الزيت. والتشبيه به في سواد لونه وقيل في ذوبانه.
و (الْحَمِيمِ) : الماء الشديد الحرارة الذي انتهى غليانه ، وتقدم عند قوله تعالى : (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) في سورة الأنعام [٧٠]. ووجه الشبه هو هيئة غليانه.
وقرأ الجمهور تغلي بالتاء الفوقية على أن الضمير ل (شَجَرَةَ الزَّقُّومِ). وإسناد الغليان إلى الشجرة مجاز وإنما الذي يغلي ثمرها. وقرأه ابن كثير وحفص بالتحتية على رجوع الضمير إلى الطعام لا إلى المهل.
والغليان : شدة تأثر الشيء بحرارة النار يقال : غلي الماء وغلت القدر ، قال النابغة :