في الآخرة كما أنّا أفضل حالا منكم في الدنيا. وتأويل نزول هذه الآية على هذا السبب أن حدوث قول هؤلاء النفر صادف وقت نزول هذه الآيات من السورة أو أن قولهم هذا متكرر فناسب تعرض الآية له حقه.
ونزول الآية على هذا السبب لإبطال كلامهم في ظاهر حاله وإن كانوا لم يقولوه عن اعتقاد وإنما قالوه استهزاء ، لئلا يروج كلامهم على دهمائهم والحديثين في الإسلام لأن شأن التصدّي للإرشاد أن لا يغادر مغمزا لرواج الباطل إلا سدّه ، كما في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) [مريم : ٧٧ ، ٧٨] وله نظائر في القرآن. وزاد القرطبي في حكاية كلام الكلبي أنهم قالوه حين برزوا لهم يوم بدر ، وهو لا يستقيم لأن السورة مكية ولم ينقل عن أحد استثناء هذه الآية منها.
والاجتراح : الاكتساب ، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة ، وهو مشتق من الجرح فأطلق على اكتساب السباع ونحوها ، ولذلك سميت كلاب الصيد جوارح وسمي به اكتساب الناس لأن غالب كسبهم في الجاهلية كان من الإغارة على إبل القوم وهي بالرماح ، قالت أم زرع : فنكحت بعده رجلا سريّا ، ركب شريّا ، وأخذ خطبا وأراح عليّ نعما ثريا ، ولذلك غلب إطلاق الاجتراح على اكتساب الإثم والخبيث.
وظاهر تركيب الآية أن قوله : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) داخل في الحسبان المنكور فيكون المعنى : إنكار أن يستوي المشركون مع المؤمنين لا في الحياة ولا بعد الممات ، فكما خالف الله بين حاليهم في الحياة الدنيا فجعل فريقا كفرة مسيئين وفريقا مؤمنين محسنين ، فكذلك سيخالف بين حاليهم في الممات فيموت المشركون على اليأس من رحمة الله إذ لا يوقنون بالبعث ويلاقون بعد الممات هول ما توعدهم الله به ، ويموت المؤمنون رجاء رحمة الله والبشرى بما وعدوا به ويلاقون بعد الممات ثواب الله ورضوانه.
وقرأ الجمهور : سواء مرفوعا فيكون موقع جملة (سَواءً مَحْياهُمْ) موقع البدل من كاف التشبيه التي هي بمعنى مثل على ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» يريد أنه بدل مطابق لأن الجملة تبدل من المفرد على الأصح ، والبدل المطابق هو عطف البيان عند التحقيق ، فيكون جملة (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) بيان ما حسبه المشركون. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف منصوبا ، فلفظ (سَواءً) وحده بدل من كاف المماثلة ، بدل مفرد من مفرد أو حال من ضمير النصب في (نَجْعَلَهُمْ). وهذا لأن