المرسل لأنه أوجز من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال.
وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين في (يَوْمِكُمْ) باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة ، ألا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٣].
ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز تكميلا لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر.
وعطف (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) على (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد فإن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله ، فالمعنى أنكم قد أويتم إلى النار فأنتم باقون فيها ، وتقدم نظير قوله : (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) قريبا ، والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد.
و (ذلِكُمْ) إشارة إلى (مَأْواكُمُ) والباء للسببية ، أي ذلكم المأوى بسبب اتخاذكم آيات الله ، وهي آيات القرآن هزؤا ، أي مستهزأ بها ، (هُزُواً) مصدر مراد به اسم المفعول مثل خلق.
وتغرير الحياة الدنيا إياهم سبب أيضا لجعل النار مأواهم. والتغرير : الإطماع الباطل. ومعنى تغرير الحياة الدنيا إياهم : أنهم قاسوا أحوال الآخرة على أحوال الدنيا فظنوا أن الله لا يحيي الموتى وتطرقوا من ذلك إلى إنكار الجزاء في الآخرة على ما يعمل في الدنيا وغرّهم أيضا ما كانوا عليه من العزة والمنعة فخالوه منتهى الكمال فلم يصيخوا إلى داعي الرشد وعظة النصح وأعرضوا عن الرسول صلىاللهعليهوسلم وعن القرآن المرشد ولو لا ذلك لأقبلوا على التأمل فيما دعوا إليه فاهتدوا فسلموا من عواقب الكفر ولكون هذه المغررات حاصلة في الحياة الدنيا أسند التغرير إلى الحياة على سبيل المجاز العقلي لأن ذلك أجمع لأسباب الغرور.
وفرع على ذلك (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) بالفاء وهذا من تمام الكلام الذي قيل لهم لأن وقوع كلمة (اليوم) في أثنائه يعين أنه من القيل الذي يقال لهم يومئذ. واتفق القراء على قراءة (لا يُخْرَجُونَ) بياء الغيبة. وكان مقتضى الظاهر أن يقال : لا تخرجون ، بأسلوب الخطاب مثل سابقه ولكن عدل عن طريقة الخطاب إلى الغيبة على وجه الالتفات. ويحسّنه هنا أنه تخييل للإعراض عنهم بعد توبيخهم وتأييسهم وصرف بقية