قالوا : نعم ، قال : «فإن ذلك ليس في الحديث غير هذا» يريد فإن ذلك شكر ومكافأة ا ه. وفي المقامة الثالثة والأربعين «حسبك يا شيخ فقد عرفت فنّك ، واستبنت أنك» أي أنك أبو زيد. وقد مثل في «شرح التسهيل» لحذف خبر (إنّ) بهذه الآية.
وجملة : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ) إلخ في موضع الحال من الذّكر ، أي كفروا به في حاله هذا ، ويجوز أن تكون الجملة عطفا على جملة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) على تقدير خبر (إِنَ) المحذوف. وقد أجري على القرآن ستة أوصاف ما منها واحد إلا وهو كمال عظيم : الوصف الأول : أنه ذكر ، أي يذكّر الناس كلهم بما يغفلون عنه مما في الغفلة عنه فوات فوزهم.
الوصف الثاني من معنى الذكر : أنه ذكر للعرب وسمعة حسنة لهم بين الأمم يخلد لهم مفخرة عظيمة وهو كونه بلغتهم ونزل بينهم كما قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] وفي قوله : (لَمَّا جاءَهُمْ) إشارة إلى هذا المعنى الثاني.
الوصف الثالث : أنه كتاب عزيز ، والعزيز النفيس ، وأصله من العزة وهي المنعة لأن الشيء النفسي يدافع عنه ويحمى عن النبذ فإنه بيّن الإتقان وعلوّ المعاني ووضوح الحجة ومثل ذلك يكون عزيزا ، والعزيز أيضا : الذي يغلب ولا يغلب ، وكذلك حجج القرآن.
الوصف الرابع : أنه لا يتطرقه الباطل ولا يخالطه صريحه ولا ضمنيّه ، أي لا يشتمل على الباطل بحال. فمثّل ذلك ب (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).
والمقصود استيعاب الجهات تمثيلا لحال انتفاء الباطل عنه في ظاهره وفي تأويله بحال طرد المهاجم ليضر بشخص يأتيه من بين يديه فإن صدّه خاتله فأتاه من خلفه ، وقد تقدم في قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧].
فمعنى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) لا يوجد فيه ولا يداخله ، وليس المراد أنه لا يدعى عليه الباطل.
الوصف الخامس : أنه مشتمل على الحكمة وهي المعرفة الحقيقية لأنه تنزيل من حكيم ، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] فإن كلام الحكيم يأتي محكما متقنا رصينا لا يشوبه الباطل.
الوصف السادس : أنه تنزيل من حميد ، والحميد هو المحمود حمدا كثيرا ، أي