عَزِيزٌ) [فصلت : ٤١] على الاعتبارين المتقدمين آنفا في موقع تلك الجملة.
ومعنى الآية متفرع على ما يتضمنه قوله : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت : ٣] وقوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠] من التحدّي بصفة الأمية كما علمت آنفا ، أي لو جئناهم بلون آخر من معجزة الأمية فأنزلنا على الرسول قرآنا أعجميا ، وليس للرسول صلىاللهعليهوسلم علم بتلك اللغة من قبل ، لقلبوا معاذيرهم فقالوا : لو لا بينت آياته بلغة نفهمها وكيف يخاطبنا بكلام أعجمي. فالكلام جار على طريقة الفرض كما هو مقتضى حرف (لَوْ) الامتناعية. وهذا إبانة على أن هؤلاء القوم لا تجدي معهم الحجة ولا ينقطعون عن المعاذير لأن جدالهم لا يريدون به تطلب الحق وما هو إلا تعنت لترويج هواهم.
ومن هذا النوع في الاحتجاج قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ١٩٨ ، ١٩٩] ، أي لو نزلناه بلغة العرب على بعض الأعجمين فقرأه عليهم بالعربية ، لاشتراك الحجتين في صفة الأمية في اللغة المفروض إنزال الكتاب بها ، إلا أن تلك الآية بينت على فرض أن ينزل هذا القرآن على رسول لا يعرف العربية ، وهذه الآية بنيت على فرض أن ينزل القرآن على الرسول العربيصلىاللهعليهوسلم بلغة غير العربية. وفي هذه الآية إشارة إلى عموم رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم للعرب والعجم فلم يكن عجبا أن يكون الكتاب المنزل عليه بلغة غير العرب لو لا أن في إنزاله بالعربية حكمة علمها الله ، فإن الله لما اصطفى الرسول صلىاللهعليهوسلم عربيا وبعثه بين أمة عربية كان أحقّ اللغات بأن ينزل بها كتابه إليه العربية ، إذ لو نزل كتابه بغير العربية لاستوت لغات الأمم كلها في استحقاق نزول الكتاب بها فأوقع ذلك تحاسدا بينها لأن بينهم من سوابق الحوادث في التاريخ ما يثير الغيرة والتحاسد بينهم بخلاف العرب إذ كانوا في عزلة عن بقية الأمم ، فلا جرم رجحت العربية لأنها لغة الرسول صلىاللهعليهوسلم ولغة القوم المرسل بينهم فلا يستقيم أن يبقى القوم الذين يدعوهم لا يفقهون الكتاب المنزل إليهم.
ولو تعددت الكتب بعدد اللغات لفاتت معجزة البلاغة الخاصة بالعربية لأن العربية أشرف اللغات وأعلاها خصائص وفصاحة وحسن أداء للمعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة. ثم العرب هم الذين يتولون نشر هذا الدين بين الأمم وتبيين معاني القرآن لهم. ووقع في «تفسير الطبري» عن سعيد بن جبير أنه قال : قالت قريش : لو لا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) بهمزة واحدة على غير مذهب