الثالثة : التعبير عن إضافة الضر بالمسّ الذي هو أضعف إحساس الإصابة قال تعالى: (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) [الزمر : ٦١].
الرّابعة : اقتران شرط مسّ الشر ب (إِنْ) التي من شأنها أن تدخل على النادر وقوعه فإن إصابة الشر الإنسان نادرة بالنسبة لما هو مغمور به من النعم.
الخامسة : صيغة المبالغة في (فَيَؤُسٌ).
السّادسة : اتباع يئوس ب (قَنُوطٌ) الذي هو تجاوز إحساس اليأس إلى ظاهر البدن بالانكسار ، وهو من شدّة يأسه ، فحصلت مبالغتان في التّعبير عن يأسه بأنّه اعتقاد في ضميره وانفعال في سحنائه. فالمشرك يتأصّل فيه هذا الخلق ويتزايد باستمرار الزّمان. والمؤمن لا تزال تربية الإيمان تكفه عن هذا الخلق حتى يزول منه أو يكاد.
ثم بينت الآية خلقا آخر في الإنسان وهو أنّه إذا زال عنه كربه وعادت إليه النّعمة نسي ما كان فيه من الشّدة ولم يتفكر في لطف الله به فبطر النّعمة ، وقال : قد استرجعت خيراتي بحيلتي وتدبيري ، وهذا الخير حق لي حصلت عليه ، ثمّ إذا كان من أهل الشرك وهم المتحدث عنهم تراه إذا سمع إنذار النبي صلىاللهعليهوسلم بقيام الساعة أو هجس في نفسه هاجس عاقبة هذه الحياة قال لمن يدعوه إلى العمل ليوم الحساب أو قال في نفسه (ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ولئن فرضت قيام السّاعة على احتمال ضعيف فإنّي سأجد عند الله المعاملة بالحسنى لأنّي من أهل الثراء والرفاهية في الدّنيا فكذلك سأكون يوم القيامة. وهذا من سوء اعتقادهم أن يحسبوا أحوال الدّنيا مقارنة لهم في الآخرة ، كما حكى الله تعالى عن العاصي بن وائل حين اقتضاه خبّاب بن الأرتّ مالا له عنده من أجر صناعة سيف فقال له : حتى تكفر بمحمد؟ فقال خبّاب : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك ، فقال : أو إنّي لميّت فمبعوث؟ قال : نعم. فقال : لئن بعثني الله فسيكون لي مالي فأقضيك ، فأنزل الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) الآيات من سورة مريم [٧٧].
ولعل قوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) إنّما هو على سبيل الاستهزاء كما في مقالة العاصي بن وائل. وذكر إنكار البعث هنا إدماج بذكر أحوال الإنسان المشرك في عموم أحوال الإنسان.
وجيء في حكاية قوله (وَلَئِنْ رُجِعْتُ) بحرف (إن) الشرطية التي يغلب وقوعها في الشرط المشكوك وقوعه لأنّه جعل رجوعه إلى الله أمرا مفروضا ضعيف الاحتمال. وأما