والثاني : أنّ من النّاس من حمل قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) على صلاة الجنازة لا على هذا الطريق ، قالوا : ويدل عليه قوله : «ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا».
فصل
اختلفوا في السّبب الذي تبيّن إبراهيم به أنّ أباه عدوّ لله. فقيل : بالإصرار والموت وقيل : بالإصرار وحده. وقيل : بالوحي. فكأنه تعالى يقول : لمّا تبيّن لإبراهيم أنّ أباه عدو لله تبّرأ منه ؛ فكونوا كذلك ، لأنّي أمرتكم بمتابعة إبراهيم في قوله : (اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [النحل : ١٢٣]. قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ.). الأوّاه : الكثير التأوه ، وهو من يقول : أوّاه ، وقيل : من يقول : أوّه ، وهو أنسب ؛ لأنّ «أوه» بمعنى : أتوجع ، ف «الأوّاه» : فعّال مثال مبالغة من ذلك ، وقياس فعله أن يكون ثلاثيا ؛ لأنّ أمثله المبالغة إنّما تطّرد في الثّلاثي وقد حكى قطرب فعله ثلاثيا ، فقال : يقال : آه يئوه ، ك : قام يقوم ، «أوها».
وأنكر النحويون هذا القول على قطرب ، وقالوا : لا يقال من «أوّه» بمعنى : أتوجّع ، فعل ثلاثي ، إنما يقال : أوّه تأويها ، وتأوّه تأوها ؛ قال الراجز : [الرجز]
٢٨٥٠ ـ فأوّه الرّاعي وضوضى أكلبه (١)
وقال المثقب العبديّ : [الوافر]
٢٨٥١ ـ إذا ما قمت أرحلها بليل |
|
تأوّه آهة الرّجل الحزين (٢) |
وقال الزمخشريّ : «أوّاه : فعّال ، من أوّه ، ك : «لئّال» من اللّؤلؤ ، وهو الذي يكثر التّأوّه».
قال أبو حيان «وتشبيه «أوّاه» من «أوّه» ك «لئّال» من اللؤلؤ ليس بجيد ؛ لأنّ مادة «أوّه» موجودة في صورة «أوّاه» ، ومادة «لؤلؤ» مفقودة في «لئّال» ؛ لاختلاف التركيب إذ «لئّال» ثلاثي ، و «لؤلؤ» رباعيّ ، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية».
قال شهاب الدّين : «لئّال» ، و «لؤلؤ» كلاهما من الرّباعي المكرر ، أي : إنّ الأصل لام وهمزة ثم كرّرنا ، غاية ما في الباب أنّه اجتمع الهمزتان في «لئّال» فأدغمت أولاهما في الأخرى ، وفرق بينهما في «لؤلؤ» وقال ابن الأثير في قوله عليهالسلام : «أوه عن الرّبا» كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجّع وهي ساكنة الواو ومكسورة الهاء ، وربّما
__________________
(١) ينظر : الطبري ١٤ / ٥٣٥ ، الدر المصون ٣ / ٥٠٨.
(٢) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٧٠ ، طبقات فحول الشعراء ١ / ٢٧٣ ، جامع البيان ١٤ / ٣٥٤ ، الخصائص ٣ / ٣٨ ، ابن يعيش ٤ / ٣٩ ، معاني الزجاج ٢ / ٤٧٤ ، زاد المسير ٣ / ٥١٠ ، التهذيب ٦ / ٨٠ اللسان : أوه ، المفضليات ٥٨٦ ، الدر المصون ٣ / ٥٠٨.