وفي غضون كلام الزمخشري : «إذا عرف الله» وهذا لا يجوز ؛ لأنّ الله تعالى لا يسند إليه هذا الفعل ولا يوصف بمعناه ، وقد تقدّم علة ذلك في غضون كلام أبي حيّان وللمعتزليّ أن يقول : لا يتعيّن أن تكون «إن» شرطية بل هي نافية ، والمعنى : «ما كان الله يريد أن يغويكم».
قال شهاب الدّين : لا أظن أحدا يرضى بهذه المقالة.
فصل
دلّت هذه الآية على أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قد يريد الكفر من العبد ، فإذا أراد الله منه ذلك امتنع صدور الإيمان منه ؛ لأنّ نوحا ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ).
قالت المعتزلة : ظاهر الآية يدلّ على أن الله تعالى إذا أراد إغواء القوم لم ينتفعوا بنصح الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وهذا مسلم ، فإنا نعلم أنّ الله ـ تعالى ـ لو أراد إغواء عبد فإنّه لا ينفعه نصح النّاصحين ، لكن لم قلتم إنه تعالى أراد هذا الإغواء ، والنزاع ما وقع إلا فيه؟
بل نقول إنّ نوحا ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إنّما ذكر هذا الكلام ليدل على أنّه تعالى ما أغواهم ، بل فوّض الاختيار إليهم ، وبيانه من وجهين : الأول : أنه تعالى لو أراد إغواءهم لما بقي في النصح فائدة ، ولو لم يكن فيه فائدة لما أمره بنصح الكفار ، وأجمع المسلمون على أنه مأمور بدعوة الكفار ونصيحتهم ، فعلمنا أنّ هذا النّصح لا يخلو من الفائدة ، وإن لم يكن خاليا عن الفائدة وجب القطع بأنّه تعالى ما أغواهم.
الثاني : لو ثبت الحكم عليهم بأنّ الله تعالى أغواهم ؛ لصار هذا عذرا لهم في عدم الإتيان بالإيمان ولصار نوح منقطعا في مناظرتهم ؛ لأنّهم يقولون له : إنّك سلمت أنّ الله تعالى إذا أغوانا فإنّه لا يبقى في نصحك ، ولا في اجتهادك فائدة ؛ فإذا ادّعيت أنّ الله تعالى أغوانا ؛ فقد جعلتنا مغلوبين ، فلم يلزمنا قبول هذه الدعوة ؛ فثبت أنّ الأمر لو كان كما قاله الخصم ؛ لصار هذا حجة للكافر على نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ؛ فثبت بما ذكرنا أنّ هذه الآية لا تدلّ على قول المجبرة ، ثم إنّهم ذكروا تأويلات :
الأول : أنّ أولئك الكفّار مجبرة ، وكانوا يقولون إنّ كفرهم بإرادة الله ؛ فعند هذا قال نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إن نصيحتي لا تنفعكم إن كان الأمر كما تقولون. ومثاله : أن يعاقب الرّجل ولده على ذنبه ، فيقول الولد : لا أقدر على غير ما أنا عليه ؛ فيقول الوالد : فلن ينفعك إذن نصحي ، وليس المراد أنّه يصدّقه على ما ذكره ، بل على وجه الإنكار لذلك.
الثاني : قال الحسن : معنى «يغويكم» أي : يعذّبكم (١) والمعنى : لا ينفعكم نصحي
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٧ / ١٧٥).