سورة الرعد : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الرعد : ٦]. فبيّن ـ تعالى ـ أنه لا مصحلة في تعجيل إيصال الشرّ إليهم ؛ لأنه ـ تعالى ـ لو أوصل ذلك إليهم لماتوا ، لأن تركيبهم في الدنيا لا يحتمل ذلك ولا صلاح في إماتتهم ، فربما آمنوا بعد ذلك ، أو خرج من صلبهم من يؤمن ، وذلك يقتضي ألّا يعاجلهم الله بإيصال الشرّ إليهم.
وسمى العذاب شرّا ؛ لأنه أذى في حقّ المعاقب ، كما سماه سيئة في قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) [الرعد : ٦] ، وفي قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠].
والمراد من استعجالهم الخير : أنّهم كانوا عند نزول الشدائد يدعون الله بكشفها ؛ لقوله : (إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [النحل : ٥٣] ، (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا) [الزمر : ٤٩].
قوله : «لقضي» قرأ ابن (١) عامر : «لقضى» بفتح القاف مبنيا للفاعل ، «أجلهم» بالنصب مفعولا ، والباقون : بالضمّ والكسر مبنيا للمفعول ، «أجلهم» رفعا لقيامه مقام الفاعل ، وقرأ الأعمش (٢) ، ويعقوب ، وعبد الله : «لقضينا» مسندا لضمير المعظّم نفسه ، وهي مؤيّدة لقراءة ابن عامر.
فصل
معنى (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي : لفرغ من هلاكهم ولماتوا جميعا ، وقيل : إنّها نزلت في النّضر بن الحارث ، حين قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] الآية. قوله (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه معطوف على قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ) ، على معنى أنّه في قوّة النّفي ، وقد تقدّم تحقيقه في سؤال الزمخشري ، وجوابه فيه ، إلّا أنّ أبا البقاء ردّ عطفه على «يعجّل» ، فقال: «ولا يجوز أن يكون معطوفا على «يعجّل» ؛ إذ لو كان كذلك لدخل في الامتناع الذي تقتضيه «لو» ، وليس كذلك ؛ لأنّ التعجيل لم يقع ، وتركهم في طغيانهم وقع».
قال شهاب الدّين : «إنّما يتمّ هذا الرّدّ ، لو كان معطوفا على «يعجّل» فقط ، باقيا على معناه ، وقد تقدّم أنّ الكلام صار في قوّة : لا نعجل لهم الشّرّ : فنذرهم ، فيكون «فنذرهم» معطوفا على جملة النّفي ، لا على الفعل الممتنع وحده ، حتّى يلزم ما قال».
والثاني : أنّه معطوف على جملة مقدّرة : أي : ولكن نمهلهم فنذر ، قاله أبو البقاء.
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٤) ، الحجة ٤ / ٢٥٣ ، حجة القراءات ص (٣٢٨) ، إعراب القراءات ١ / ٢٦١ ، إتحاف ٢ / ١٠٥.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٢ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٠٨ ، البحر المحيط ٥ / ١٣٣ ، الدر المصون ٤ / ١١.