قال أبو حيّان : «فجعل الزمخشريّ في الكلام شرطين لهما جوابان ، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف ؛ لأنّ قوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) صالح لأن يكون جوابا للشّرط ، والمعطوف عليه ، وأيضا : فقول الزمخشريّ : «فذاك» هو اسم مفرد ، لا ينعقد منه جواب شرط ، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يصح منها جواب الشرط ، إذ لا يفهم من قوله : «فذاك» الجزء الذي حذف ، وهو الذي تحصل به فائدة الإسناد».
قال شهاب الدّين : «قد تقرّر : أنّ اسم الإشارة قد يشار به إلى شيئين فأكثر ، وهو بلفظ الإفراد ؛ فكأنّ ذاك واقع موقع الجملة الواقعة جوابا ، ويجوز أن يكون قد حذف الخبر ؛ لدلالة المعنى عليه ، إذ التّقدير : فذاك المراد ، أو المتمنّى ، أو نحوه».
وقوله : «إذ لا يفهم الجزء الذي حذف» إلى آخره ، ممنوع ، بل هو مفهوم كما بينا ؛ وهو شيء يتبادر إلى الذّهن.
قوله : (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) «ثم» ليست هنا للتّرتيب الزّماني ، بل هي لترتيب الأخبار ، لا لترتيب القصص في أنفسها ، قال أبو البقاء : «كقولك : زيد عالم ، ثم هو كريم».
وقال الزمخشريّ : «فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدّارين ، فما معنى «ثم»؟.
قلت : ذكرت الشهادة ، والمراد : مقتضاها ، ونتيجتها ، وهو العقاب ؛ كأنّه قيل : ثم الله معاقب على ما يفعلون».
وقرأ إبراهيم (١) بن أبي عبلة : «ثمّ» بفتح الثاء ، جعله ظرفا لشهادة الله ؛ فيكون «ثمّ» منصوبا ب «شهيد» أي : الله شهيد عليهم في ذلك المكان ، وهو مكان حشرهم ، ويجوز أن يكون ظرفا ل «مرجعهم» أي : فإلينا مرجعهم ، يعني : رجوعهم في ذلك المكان ، الذي يثاب فيه المحسن ، ويعاقب فيه المسيء.
قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٤٩)
قوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) الآية.
لمّا بيّن حال محمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في قومه ، بيّن أنّ حال كل الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ مع أقوامهم كذلك.
والآية تدلّ على أنّ كلّ جماعة ممّن تقدّم ، قد بعث الله إليهم رسولا ، ولم يهمل أمّة من الأمم ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٥٠ ، البحر المحيط ٥ / ١٦٤ ، الدر المصون ٤ / ٣٩.