ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤)
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) الآية.
لما ذكر أنّ عذاب الكفّار وإن تأخّر لا بد أن يحيق بهم ، ذكر بعده ما يدلّ على كفرهم ، وعلى كونهم مستحقين لهذا العذاب ، فقال : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ). وقيل : المراد منه مطلق الإنسان ؛ لأنّه استثنى (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ؛ ولأنه موافق لقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر : ٢ ، ٣] (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] ولأنّ مزاج الإنسان مجبول على الضّعف والعجز.
قال ابن جريج في تفسير هذه الآية : يا ابن آدم إذا نزلت بك نعمة من الله ، فأنت كفور ، وإذا نزعت منك فيئوس قنوط (١).
وقيل : المراد به الكافر ؛ لأنّ الأصل في المفرد المعرف بالألف واللّام أن يعود على المعهود السّابق إلّا أن يمنع مانع منه ، وههنا لا مانع ؛ فوجب حمله على المعهود السابق ، وهو الكافر المذكور في الآية المتقدمة.
وأيضا فالصّفات المذكورة في الإنسان هنا لا تليق إلّا بالكافر ؛ لأنّه وصفه بكونه كفورا ، وهو تصريح بالكفر ، ووصفه عند وجدان الراحة بقوله : (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) وذلك جراءة على الله تعالى ، ووصفه بكونه فرحا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] ووصفه بكونه فخورا ، وذلك ليس من صفات أهل الدّين. وإذا كان كذلك ؛ وجب حمل الاستثناء المذكور في هذه الآية على الاستثناء المنقطع. واعلم أنّ لفظ «الإذاقة والذّوق» يفيد أقل ما يوجد من الطّعم ، فكان المراد أنّ الإنسان بوجدان أقل القليل من الخير في العاجلة يقع في الكفر والطّغيان وبإدراك أقل القليل من البلاء يقع في اليأس والقنوط ، قال تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) نعمة وسعة (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) سلبناها منه (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) في الشّدة كفور بالنعمة.
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ) قال الواحديّ : النّعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه ، والضّرّاء مضرّة يظهر أثرها على صاحبها ؛ لأنّها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو : حمراء وسوداء ، وهذا هو الفرق بين النّعمة والنّعماء ، والمضرة والضّراء.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٣) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.