وقرأ ابن أبي إسحاق (١) : «متاعا الحياة» بنصب «متاعا» و «الحياة» ، ف «متاعا» : على ما تقدّم ، وأمّا «الحياة» : فيجوز أن تكون مفعولا بها ، والنّاصب لها المصدر ، ولا يجوز والحالة هذه ، أن يكون «متاعا» مصدرا مؤكدا ؛ لأنّ المؤكّد لا يعمل. ويجوز أن تنتصب «الحياة» على البدل من «متاعا» لأنها مشتملة عليه ، وقرىء (٢) أيضا : (مَتاعَ الْحَياةِ) ، بجرّ «متاع» ، وخرّجت على النّعت لأنفسكم ، ولا بدّ من حذف مضاف حينئذ ، تقديره : على أنفسكم ذوات متاع الحياة ، كذا خرّجه بعضهم ، ويجوز أن يكون ممّا حذف منه حرف الجرّ ، وبقي عمله ، أي : إنّما بغيكم على أنفسكم ؛ لأجل متاع ، ويدلّ على ذلك ؛ قراءة النّصب في وجه من يجعله مفعولا من أجله ، وحذف حرف الجرّ ، وإبقاء عمله قليل ، وهذه القراءة لا تتباعد عنه.
وقال أبو البقاء : «ويجوز أن يكون المصدر ، بمعنى اسم الفاعل ، أي : «متمتّعات» ، يعني : أنّه يجعل المصدر نعتا ل «أنفسكم» ، من غير حذف مضاف ، بل على المبالغة ، أو على جعل المصدر بمعنى : اسم الفاعل ، ثم قال : «ويضعف أن يكون بدلا إذا أمكن أن يجعل صفة».
قال شهاب الدّين (٣) : «وإذا جعل بدلا على ضعفه ، فمن أيّ قبيل البدل يجعل؟ والظاهر : أنّه من بدل الاشتمال ، ولا بدّ من ضمير محذوف حينئذ ، أي : متاع الحياة الدّنيا لها». ثم قال (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) أي : ما وعدنا من المجازاة على أعمالكم «فينبئكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) والإنباء : الإخبار ، وهو هنا وعيد بالعذاب ، كقول الرّجل لغيره : سأخبرك بما فعلت.
قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢٥)
قوله ـ تعالى ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية.
لمّا قال ـ تعالى ـ : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ضرب هذا المثل لمن اغترّ بالحياة الدّنيا ، واشتد تمسّكه بها ، وأعرض عن التأهّب للآخرة ، فقال : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهذه الجملة سيقت ؛ لتشبيه الدّنيا بنبات الأرض ، وقد شرح الله وجه الشّبه بما ذكر.
قال الزمخشري (٤) : «هذا من التّشبيه المركّب ، شبّهت حال الدّنيا ، في سرعة تقضّيها ،
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١١٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٤٣ ، الدر المصون ٤ / ١٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٤٣ ، الدر المصون ٤ / ١٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٠.