وانقراض نعيمها بعد الإقبال ، بحال نبات الأرض في جفافه ، وذهابه حطاما بعدما التفّ ، وتكاثف ، وزيّن الأرض بخضرته ، ورونقه» ، والتّشبيه المركب في اصطلاح البيانيّين : إمّا أن يكون طرفاه مركّبين ، أي : تشبيه مركّب بمركّب ؛ كقول بشّار بن برد : [الطويل]
٢٨٨٥ ـ كأن مثار النّقع فوق رءوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (١) |
وذلك أنّه يشبّه الهيئة الحاصلة ، من هويّ أجرام مشرقة ، مستطيلة متناسبة المقدار ، متفرقة في جوانب شيء مظلم ، بليل سقطت كواكبه ، وإمّا أن يكون طرفاه مختلفين بالإفراد والتّركيب ، وتقسيماته في غير هذا الموضوع.
قوله : «كماء» : هو خبر المبتدأ ، و «أنزلناه» : صفة ل «ماء» ، و (مِنَ السَّماءِ): متعلّق ب «أنزلناه» ، ويضعف جعله حالا من الضّمير المنصوب ، وقوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ) في هذه الباء وجهان :
أحدهما : أنها سببيّة ، قال الزمخشري : «فاشتبك بسببه ، حتى خالط بعضه بعضا».
قال ابن عطيّة (٢) : «وصلت فرقة «النّبات» ، بقوله : «فاختلط» ، أي : اختلط النّبات بعضه ببعض بسبب الماء».
والثاني : أنّها للمصاحبة ، بمعنى : أنّ الماء يجري مجرى الغذاء له ، فهو مصاحبه ، وزعم بعضهم : أنّ الوقف على قوله : «فاختلط» ، على أنّ الفاعل ضمير عائد على الماء ، وتبتدىء (بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) على الابتداء والخبر ، والضمير في «به» على هذا ، يجوز عوده على الماء ، وأن يعود على الاختلاط الذي تضمّنه الفعل ، قاله ابن عطيّة ، وقال أبو حيّان (٣) : «الوقف على قوله : «فاختلط» لا يجوز ، وخاصّة في القرآن ؛ لأنّه تفكيك للكلام المتّصل الصحيح ، والمعنى الفصيح ، وذهاب إلى اللّغز ، والتّعقيد».
قوله (مِمَّا يَأْكُلُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّه متعلّق ب «اختلط» ، وبه قال الحوفيّ.
والثاني : أنّه حال من «النّبات» ، قاله أبو البقاء ، وهو الظاهر ، والعامل فيه محذوف على القاعدة المستقرّة ، أي : كائنا أو مستقرّا ممّا يأكل.
ولو قيل : إنّ «من» لبيان الجنس ، لجاز ، وقوله : «حتّى» غاية فلا بدّ لها من شيء مغيّا ، والفعل الذي قبلها ـ وهو «اختلط» ـ لا يصح أن يكون مغيّا ، لقصر زمنه ، فقيل : ثمّ فعل محذوف ، أي : لم يزل النبات ينمو حتى كان كيت وكيت وقيل : يجوز «فاختلط»
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه (١ / ٣١٨ وأسرار البلاغة ٢ / ٢٣ ودلائل الإعجاز (٢٦٠) والمصون في اللغة (٦٦) ومعاهد التنصيص ٢ / ٢٨ والإشارات والتنبيهات ١٨٠ والدر المصون ٤ / ٢٠.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١١٤.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٤٤.