لمّا منع المسلمين من أن يستغفروا للمشركين ، والمسلمون كانوا قد استغفروا للمشركين قبل نزول الآية ، فلمّا نزلت هذه الآية خافوا بسبب ما صدر عنهم قبل ذلك من الاستغفار للمشركين.
وأيضا فإنّ أقواما من المسلمين الذين استغفروا للمشركين ، كانوا ماتوا قبل نزول هذه الآية فوقع الخوف في قلوب المسلمين أنّه كيف يكون حالهم ؛ فأزال الله ذلك عنهم بهذه الآية وبيّن أنه لا يؤاخذهم بعمل إلّا بعد أن يبيّن لهم أنّه يجب عليهم أن يتّقوه ويحترزوا عنه فهذا وجه حسن في النّظم.
فصل
معنى الآية : ما كان الله ليحكم عليكم بالضّلالة بترك الأوامر باستغفاركم للمشركين (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ).
قال مجاهد : «بيان الله للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة ، وبيانه لهم في معصيته وطاعته عامة» (١). وقال الضحاك : «ما كان الله ليعذّب قوما حتى يبيّن لهم ما يأتون وما يذرون» (٢). وقال مقاتل والكلبيّ : هذا في المنسوخ ، وذلك أنّ قوما قدموا على النبيصلىاللهعليهوسلم وأسلموا قبل تحريم الخمر وصرف القبلة إلى الكعبة ؛ فرجعوا إلى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة ، ولا علم لهم بذلك ، ثم قدموا بعد ذلك المدينة ؛ فوجدوا الخمر قد حرّمت والقبلة قد صرفت ، فقالوا يا رسول الله : قد كنت على دين ونحن على غيره ، فنحن ضلال؟ فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ)(٣) الناسخ ، وقيل : المعنى : أنّه أضله عن طريق الجنّة أي : صرفه ومنعه من التوجّه إليه.
وقالت المعتزلة : المراد من هذا الإضلال ، الحكم عليهم بالضلال ؛ واحتجّوا بقول الكميت: [الطويل]
٢٨٥٢ ـ وطائفة قد أكفروني بحبّكم |
|
......... (٤) |
قال ابن الأنباري «وهذا التّأويل فاسد ؛ لأنّ العرب إذا أرادوا ذلك المعنى قالوا : ضلل يضلل ، واحتجاجهم ببيت الكميت باطل ؛ لأنه يلزم من قولنا : أكفر في الحكم صحة قولنا : أضلّ. وليس كل موضع صح فيه صح فيه «فعل» فإنّه يجوز أن يقال «كسر» ، و «قتل» ، ولا يجوز «أكسر» ، و «أقتل» ؛ بل يجب فيه الرّجوع إلى السماع».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٠) وذكره البغوي (٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣).
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) ينظر : الرازي ١٦ / ١٦٨.