فإن قيل : كتب في المصح ف «ولا أوضعوا» بزيادة ألف. أجاب الزمخشريّ «أنّ الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخطّ العربي ، والخطّ العربي اخترع قريبا من نزول القرآن ، وقد بقى من ذلك الألف أثر في الطباع ، فكتبوا صورة الهمزة ألفا ، وفتحتها ألفا أخرى ، ونحوه (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) [النمل : ٢١]. يعني : في زيادة الألف بعد «لا» وهذا لا يجوز القراءة به ومن قرأ به متعمدا يكفّر».
قوله : «يبغونكم» في محلّ نصب على الحال ، من فاعل «أوضعوا» أي : لأسرعوا فيما بينكم ، حال كونهم باغين ، أي : طالبين الفتنة لكم ، ومعنى الفتنة : افتراق الكلمة.
قوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) هذه الجملة يجوز أن تكون حالا من مفعول «يبغونكم» أو من فاعله ، وجاز ذلك ؛ لأنّ في الجملة ضميريهما. ويجوز أن تكون مستأنفة ، والمعنى : أنّ فيكم من يسمع لهم ، ويصغي لقولهم.
فإن قيل : كيف يجوز ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم؟.
فالجواب : لا يمتنع لمن قرب عهده بالإسلام أن يؤثر قول المنافقين فيهم ، أو يكون بعضهم مجبولا على الجبن والفشل ؛ فيؤثر قولهم فيهم ، أو يكون بعض المسلمين من أقارب رؤساء المنافقين فينظرون إليهم بعين الإجلال والتّعظيم ؛ فلهذا الأسباب يؤثر قول المنافقين فيهم ويجوز أن يكون المراد : وفيكم جواسيس منهم ، يسمعون لهم الأخبار منكم ، فاللّام على الأوّل للتقوية لكون العامل فرعا ، وفي الثاني للتعليل ، أي : لأجلهم. ثم قال تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم ونفاقهم ، وظلموا غيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيرهم في وجوه الآفات.
فصل
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ). أي : طلبوا صد أصحابك عن الدّين وردهم إلى الكفر ، وتخذيل النّاس عنك قبل هذا اليوم ، كفعل عبد الله بن أبيّ يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه. وقال ابن جريج : هو أنّ اثني عشر رجلا من المنافقين ، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ، ليفتكوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم (١).
قوله : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ). قرأ مسلمة (٢) بن محارب «وقلبوا» مخففا. والمراد بتقليب الأمر : تصريفه وترديده ، لأجل التدبر والتأمل فيه ، أي : اجتهدوا في الحيلة والكيد لك يقال للرجل المتصرف في وجوه الحيل : فلان حوّل قلب ، أي : يتقلب في وجوه الحيل.
ثم قال تعالى : (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) أي : النصر والظفر.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ٦٧).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧٧ ، المحرر الوجيز ٣ / ٤١ ، البحر المحيط ٥ / ٥٢ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٠.