بعد أن أبطلت الآية الرابعة والأخيرة من بحثنا كل ألوان الشرك ، فنّدت ماسواه من المعبودات ، حيث قالت : (كُلُّ شَىْءٍ هالِكٌ إلّاوَجْهَهُ).
وهذه الجملة بالحقيقة هي بمنزلة الدليل على الحكم السابق ، لأنّ الموجودات الفانية الزائلة لا تليق بالالوهيّة والعبادة ، والوجود الوحيد الذي يليق بهذا المقام هو الباقي والقائم دائماً فقط.
وقد قُلنا : إنّ (الوجه) في اللغة يعني قرص الوجه ، لكنها تستعمل في بعض الأحيان أيضاً بمعنى (الذات) ـ كما هو في بحثنا هذا ، وما فسّره البعض بمعنى الدين أو العمل الصالح وما شاكله لا دليل عليه ، إلّاأن يُؤّل بمعنى الذات الإلهيّة المقدّسة.
وعلى أيّة حال ، فإنّ هذه الآية دليل واضح على أبديّة الذات الإلهيّة المقدّسة ، ونعلم جميعاً أنّ الأبدية غير مفصولة عن الأزليّة.
والموجودات الاخرى من الأموال ، الثروات ، والمقامات والسموات والأرض ، جميعها في زمرة الممكنات ولا تفنى وتهلك في النهاية فحسب ، بل هي فانية وهالكة حتى في حالها الحاضر ، لأنّها لاتملك في ذاتها شيئاً ، ولولا الذات الإلهيّة المقدّسة التي تفيض عليها بالوجود لحظةً بعد اخرى ، لفنت وهلكت.
ويظهر أنّ (الفناء) هُنا بمعنى موت الموجودات الحّية ، أو بمعنى تلاشي الموجودات الاخرى ، وعليه فلا تضاد بينها وبين الآيات التي تقول : بأنّ تُراب الإنسان يبقى ليصير مصدراً لحياته في الآخرة ، أو التي تقول : بأنّ أجزاء الأرض والجبال تبقى بعد أن تتلاشى لينشأ منها عالم جديد.
ويرد هنا السؤال التالي وهو : يُستَنتَج من الآيات القرآنية أنّ كلاً من الجنّة والنار موجودتان حاليّاً ومُعَدّتان ، حيث قال تعالى بخصوص الجنّة : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). (آل عمران / ١٣٣)
وقال بخصوص النار : (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (آل عمران / ١٣١)
أفهل تفنيان في النهاية أيضاً؟
وفي الجواب على هذا السؤال ، قيل : إنّه لا تنافي بين عموميّة الآية أعلاه مع استثناء