إلى جميع صفات الله تعالى السلبيّة ، وهي من الأمور التي يشترك في ذكرها جميع موجودات عالم الوجود.
واستعمال صيغة الفعل المضارع المستمر في فعل (يُسبّح) يدل على استمرار وديموميّة هذا الأمر ، منذ بدء الخلق وسيبقى حتى النهاية ، ويجب أن يكون كذلك ، لأنّ وجود الأفعال يُبيّن دائماً صفات الفاعل.
والطريف أنّ هذه الآية هي الآية الاولى من سورة الجمعة ، وتُعدُّ مقدّمة لبيان فريضة صلاة الجمعة العباديّة السياسيّة. لأنّها تلفت أذهان الناس إلى كون مسألة العبادة والتقديس لله سبحانه برنامجاً عاماً ومستمراً من قبل جميع ذرات الوجود ، وتحثهم على الإنضمام معها في هذا الذّكر ، ومواكبة أمواج الوجود في هذا البرنامج المقدس ، والخضوع لساحة الباري الحاكم القدوس والقادر الحكيم (١).
* * *
وفي الآية الثانية تجلّى هذا الكلام بلباسٍ آخر ، فضمن تأكيدها على توحيد الله تعالى وبيانها لبعض صفاته وأسمائه الحسنى ، وصفته بصفة «القدّوس» المبينّة لجميع الصفات السلبيّة ، قال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِى لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ).
وكما أشرنا في شرح مفردات الآيات فإنّ (القدّوس) صيغة مبالغة للقداسة ، وتعني منتهى نزاهة الذات والصفات والأفعال والأحكام الإلهيّة من كلّ عيبٍ ونقص ، وهي تعبير مختصر وغني جامع لجميع الصفات السلبيّة.
فهو ليس منزّه عن وجود نقصٍ في ذاته فحسب ، بل إنّ إيجادَه وخَلقه وتكوينَه وتشريعَهُ منزّهٌ عن أي عيب ونقص أيضاً ، لأنّها جميعاً تنبع من ذلك الكمال المطلق ، ومن فيوضاته وإفاضاته سبحانه ، وجميعها ذات صبغة إلهيّة ، وجميعها كاملة.
* * *
__________________
(١) أوردنا في التفسير الامثل بحوثاً عديدة حول عموم التسبيح لموجودات العالم وبيان كيفية هذه المسألة المهمّة. راجع ذيل الآية ٤٤ من سورة الإسراء ، وذيل الآية ١٤١ من سورة النور.