أمّا الآية الثالثة ، فبعد أن نَفت أيّ ولدٍ وكُفْءٍ عن الذات الإلهيّة المقدّسة قالت : (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ).
وقد وردت هذه الجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم ، وجاءت لتنفي أيّ شريكٍ وكفْءٍ أو صاحبةٍ وولدٍ عن الله عزوجل كما كان يعتقد ذوو الأفكار الضيقة ، ولها معنىً واسع يشمل كل وصفٍ لا يليق بذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه ، بل يشمل كل وصفنا له أيضاً ، لأننا وجميع المخلوقات الاخرى وبسبب اتصافنا بالنقصان والمحدودية ، عاجزون عن فهم كنه صفاته ، لذا نعجز عن شرحها في الوقت الذي نعرف صفاته المقدّسة بصورة إجماليّة.
وعليه فهو منزّه عن كل وصفنا لهُ ومنزّه عمّا يصف الواصفون : «سُبْحَانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ».
وبذلك نجد في بعض الروايات الواردة عن الإمام الصادق عليهالسلام وضمن بيانه المذهب الصحيح في التوحيد أنّه عليهالسلام قال : «تعالى الله عما يصفه الواصفون» (١).
ثم أكّد عليهالسلام في ذيل نفس هذا الحديث على عدم التجاوز في وصف الباري عن الصفات التي وردت في القرآن الكريم.
* * *
وفي الآية الرابعة والأخيرة من بحثنا قال تعالى ـ وبكلامٍ مطلقٍ ومجرّدٍ عن أيّ قيدٍ وشرط ـ : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العزِّةِ عَمَّا يَصِفُونَ).
وكما قلنا : فإنّ هذا التعبير يُمكن أن يكون إشارة إلى تنزيه الله عزوجل عمّا وصفه به ذوو الأفكار الضيّقة ، فأحياناً يتخذون من المسيح ولداً له ، وأحياناً اخرى يتخذون من الملائكة بناتٍ له! وأحياناً كانوا يعتقدون بوجود صلة قرابة بينه وبين الجن ، وأحياناً كانوا يُعرّفون الأصنام كشركاء وأكفّاء له أو شفعاء عنده ، وأحياناً كانوا يصفونه بأوصاف الأجسام المادّية.
__________________
(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٠٠ ، باب النهي عن الصفة بغير ماوصف به نفسه ، ح ١.