١ ـ إنّ قول القرآن الكريم (لا تدركهُ الابصار) يفيد المدح وثبت أنّ ذلك إنّما يفيد المدح لو كان صحيح الرؤية ، وهذا يدل على أنّ قوله تعالى : (ولا تدركهُ الابصار) يفيد كونه تعالى جائز الرؤية ، وتمام التحقيق فيه أنّ الشي إذا كان في نفسه بحيث تمتنع رؤيته ، فحينئذٍ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشي.
وبعدما ثبتت إمكانية رؤية الله يجب التسليم بأنّ هذه المسألة تحدث في يوم القيامة! لأنّه ليس لدينا سوى رأيين حول هذه المسألة :
الأول : جواز الرؤية مع أنّ المؤمنين لا يرونه ولا تجوز رؤيته مطلقا فأمّا القول بأنّه تعالى تجوز رؤيته مع أنّه لا يراه أحد من المؤمنين فهو قول لم يقل به أحد من الامة فكان باطلاً. فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية تدل على أنّه تعالى جائز الرؤية في ذاته.
الثاني : لا يرى بالعين وإنّما يرى بحاسة سادسة يخلقها الله تعالى يوم القيامة.
الثالث : قوله : (لا تُدركه الأبصار) يفيد أنّه لا يراه جميع الأبصار فهذا بعينه سلب العموم ولا يفيد عموم السلب» (١).
كان ذلك قسماً من استدلالاته بصورة ملخصة وموجزة ، والحق أنّه يَبعث على الأسف في أن يحوك مفسّر مثلهُ ويخلط المسائل مع بعضها بصورة محيّرة ، على الرغم من قدرته الفكريّة ، عندما يتورط في أسر التعصُّبات الطائفيّة ويستدلُّ من دليلٍ واضحٍ على ضدّه!
ونحن لا نرغب أبداً في ذكر مثل هذه التعابير بشأن أي أحدٍ ، ولكن لو شاع هذا الاسلوب ، أي أن يتشبث الإنسان لإثبات مطلبٍ معين بأمورٍ تدل بالضبط على عكس ذلك المطلب ، ويستدل بكل شيء لإثبات كل شيء لتعرضت الحقائق للاندثار والضياع ، ولأمكن إيجاد استدلالٍ قرآنيٍّ لأي موضوع ، ولذا كان لابدّ لنّا من الحديث بهذه الطريقة ، ولزيادة توضيح هذا البحث نتطرق إلى رد تلك الاستدلالات الثلاثة المذكورة أعلاه.
أولاً : إننا نمدح الله تعالى بصفات سلبية كثيرةٍ وجميعها محال بشأنه ، كقولنا بأنّ الله لايفنى ولا يهلك أبداً (كُلُّ شَىءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، ومن المُسَلَّم به أنّ هلاك واجب الوجود
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ١٣ ، ص ١٢٥ و ١٢٦.