الآنفة الذكر كما تقول بامكانية رؤية الله ، تُصرح أيضاً بجسمانية الله ، وتنسِبُ إليه الصعود والنزول والضحك والقهقهة ، وهذا شيء لا يتقَبلهُ حتى الأشاعرة الذين يعتقدون بالرؤية ، وذلك لأنّهم يقولون بصراحةٍ : إنّ رؤية الله لاتعني تجسيمه ، وهذا شاهد آخر على كون هذه الروايات موضوعة.
وكذلك ماورد في (سنن ابن ماجة) عن عبد الله بن عمر أنّه سمعَ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «يُدنى المؤمن من ربّه يوم القيامة حتّى يضع عليه كنفَه ...» (١).
فلو لم تُحمل هذه التعابير على المعاني المجازيّة والكنائيّة ، فهي حتماً تدلُّ على مجهولية هذه الروايات التي تجعل لله ذراعاً وصدراً وجناحاً ، وبواسطتها تُعرض الأفكار المنحطّة للقائلين بالجسميّة ، في قالب أحاديث مَجعولة.
والأعجب من ذلك وهو جود جماعة لحدّ الآن يؤيدون مسألة رؤية الله ، وذلك بسبب تقيدُّهم بمثل هذه الروايات المبتدَعة.
في حين أنّ مذهب أهل البيت عليهالسلام قد نفى هذه العقيدة مطلقاً لأنّها مرفوضة من قِبل العقل والآيات القرآنية.
ومن بين الآيات الشريفة التي يستند عليها القائلون بالرؤية هي (وُجُوُهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ). (القيامة / ٢٢ ـ ٢٣)
في حين أنّ كلمة (ناظرة) المشتقة من مادة (نظر) تأتي بمعنى المشاهدة ، وبمعنى الإنتظار ، وعلى أيّة حال يجب أن توضع هذه الآية إلى جنب الآيات القرآنية الاخرى التي تقول (لا تدركه الأبصار) وأن تُفسَّر هذه المتشابهة بتلك المحكمة.
وتستعمل هذه التعابير الكنائيّة بكثرة ، كقولنا : (فُلان ينظر إليك فقط ، أو عينه عليك) أي يتوقع منك المحبّة واللطف والرأفة ، فأصحاب الجنّة أيضاً ينظرون يوم القيامة إلى ربّهم ويرجون منه اللطف والرحمة.
والملفت أنّ تقدُّم الجار والمجرور في جملة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) يعطي معنى الحصر (أي
__________________
(١) سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ٦٥ ، المقدمة ، ح ١٨٣ ـ كنف على وزن هدف ، له معانٍ عديدة من جملتها الذراع ، الصدر ، الجناح ، الجانب ، والظل.