إنّها ناظرة إلى ربّها فقط) ، في حين أنّهم يُشاهدون أنواع نِعَمِ الجنّة بأعيُنهم ، كالأشجار والأنهر والثمار والحور العين وغير ذلك بنفس الوقت ، ممّا يدلّ بحد ذاته على أن هذه النظرة إليه تعالى والمختصّة بذاته المقدّسة ، هي انتظار كرمه وعفوه.
والاحتمال الآخر الوارد في تفسير الآية ، هو أَنَّ المقصود من النظرة هي الشهود الباطني ، والرؤية الصريحة بعين القلب والبصيرة ، والخالية من كل ألوان الشّك والترديد.
والحديث النبوي المنقول عن أنس بن مالك يُعدُّ خير دليلٍ على هذا الإدعاء وهو : «ينظرون إلى ربّهم بلا كيفيّة ولا حد محدود ولا صفةٍ معلومة» (١).
ومن المُسلَّم أنّه لو كان المقصود من الرؤية هو الرؤية البصريّة الظاهريّة فهي مستحيلة بدون وجود كيفيّة وصفة معلومة.
يقول العلّامة الكبير المرحوم (السيد شرف الدين) في كتاب (كلمة حول الرؤية) ـ بعد أن تطرّق إلى الأحاديث التي نقلها محدثو أهل السُّنّة بخصوص رؤية الله يوم القيامة ـ : (إنّهم بحملهم هذه الروايات على الصحّة اضطرّوا إلى سلوك الطريق الذي سلكه القائلون بجسمانية الله ، الطريق المخالف للعقل والنقل ، في حين أنّه لا هذه الأحاديث صحيحة ، ولا ماورد فيها شيء يقبله العقل والشرع ، ولكن كثرتها أدّت بهم إلى تعطيل حكم العقل ، وحتّى إلى تطبيق آيات من القرآن الكريم معها.
إنّه عمل غير متوقَّع ، إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ!.
ثم تطرّق إلى آية : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، وأضاف قائلا" : التعبير بكلمة (نظر) خصوصاً عندما تتعدى بـ (إلى) لا يعني الرؤية والمشاهدة أبداً ، بل يعني صرف النظر إلى شيء حتى وإن لم يكن مرئيّاً ، كما صرّح بذلك أرباب اللغة ، مضافاً إلى ذلك وورد في القرآن الكريم : (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيكَ وَهُمْ لَايُبصِرُونَ) (الأعراف / ١٩٨)
والذي يتبادر إلى الذهن من الآية أعلاه هو ذلك الانتظار للفضل الإلهي يوم القيامة ، (وكما أشرنا سابقاً) فإنّ استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى والمفهوم يُعَدُّ حقيقةً لا مجازاً ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ص ٢٠٤.