يقال : نَحَّوا الشخص الفلاني عن عرشه أي سُلبَت سلطتُهُ. أو فلانٌ فُلَّ عرشُهُ ، أي انتهت حكومته ، أو إنَّ الحادثة الفلانية هزَّتْ أركان عرشِ فلان أي زلزلت سلطتهُ ، ومن قبيل هذه التعابير.
وَعليه فعرش الله معناه العالم العلوي ، وكرسيُّهُ معناه العالم السفلي ، أو إنّ العرش إشارة إلى عالم ما وراء الطبيعة والمجرّدات ، والكرسي إشارة إلى عالم المادّة ، والشاهد على هذا الكلام آية : (وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَواتِ وَالأَرضَ). (البقرة / ٢٥٥)
فعندما يكون كُرسي الله قد وسع جميع السموات والأرض فإنّه يعني أنّ عرشه ما وراء السموات والأرض ، أي ما وراء عالم الطبيعة (١).
بناءً على ذلك فحينما يُقال : الرحمن على العرش استوى ، فالمقصود منه أنّ حاكميته ، ومالكيته ، وسلطته شملت العالم العلوي بوسعه ، والعالم السفلي بتمامه.
وهذا الأمر واضحٌ جدّاً ، ويُمكن للآيات القرآنية التي تنفي وجود مكان لله (وأوردناها في بداية الكلام) ، أن تكون خير دليلٍ على تفسير هذا الأمر.
ورد في تفسير الميزان أنّ الآية التي تلت هذه الآية (طه / ٦) تقول : (لَهُ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحتَ الثَّرَى) ، وهي قرينة واضحة لتفسيرها (٢).
وردَّ الفخر الرازي في تفسيره على استدلال المشبِّهة ، بهذه الآية على جلوس الله على عرشه ، بعشر أدلة عقليّة ونقليّة ، من جملتها : إنّ الله كان موجوداً قبل خَلق العرش أو أي مكانٍ آخر ، فهو لم يكُن محتاجاً إلى المكان منذ الأزل ، فكيف يُمكن أن يحتاج إلى مكان بعد خلق العرش؟!
والآخر هو : لو أنّ الله تعالى جالسٌ على عرشه وفقاً لتصور هذه الجماعة لاستلزم أن يكون جزء من وجوده الكائن على يمين العرش غير الجزء الموجود على يساره! ولاستلزم
__________________
(١) لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك ممّا يردف الملك ، جعلوه كنايةً عن الملك فقالوا : استوى فلان على العرش يريدون مُلك وإن لم يقعد على السرير البتة ، الكشاف ج ٣ ، ص ٥٢.
(٢) تفسير الميزان ، ج ١٤ ، ص ١٣١.