توضيح وبلاغ :
يُستْنتج جيداً من مجموع ما ذُكرَ أنّ صفات (الفاطر) ، (الباري) ، (البديع) تشير جميعاً إلى خلق الشيء بلا أيِّ سابقةٍ إلّاأنّ هذا المعنى أكثر وضوحاً وبياناً في بعض الكلمات ، وأقلُ بياناً في بعضها الآخر ، وعلى أيّة حال فهو يدلّ على أهميّة هذه النقطة وهي خلقِ الله بالقياس مع مايقوم به بعض بني البشر ، والتي قد يُطلق عليها مصطلح (الخلق) مجازاً ، علاوةً على سعتها الخارقة ، وعدم محدوديتها من حيث كون المادّة والشكل في جميع مخلوقات الله غير مسبوقة بحدث مُسْبق.
لذلك لا يُمكن قياسها إطلاقاً مع تغيير الأشكال التي يُمارسها الإنسان في مواد هذا العالَم والمسبوقة بعمل مُسبق.
بل إنّ كلمة (الخلق) بمفهومها الحقيقي لاتصدق أبداً بالنسبة لأعمال البشر.
نقل المرحوم الكفعمي في المصباح عن الغزالي حول تفسير الأسماء الحسنى ، بأنّ البعض اعتقد بأنَّ ألفاظ (الخالق) و (الباري) و (المصور) ألفاظ مترادفة ، وتعني جميعها (الخلق) و (الإبداع) في حين أنّها ليست كذلك ، بل الأشياء المخلوقة من العدم ذات ثلاث مراحل : (التقدير) و (الإيجاد) و (التصوير) ، ثم ضرب مثلاً حول هذا المفهوم فقال :
يلزم ، لإحداث عمارة مرموقة ، أن يرسم خارطتها مهندسٌ قدير ، ثم يُشيدها البنّاء ، وبعد ذلك يزّينها الصبّاغ وأرباب النقوش الماهرون.
وعلى هذا فكلمة (الخالق) تُشير إلى المعنى الأول ، في حين أنّ (الباري) تُشير إلى المعنى الثاني و (المصوّر) إلى المعنى الثالث (١).
وعلى أيّة حال فالبلاغ الذي تحملهُ هذه الصفات الإلهيّة في طيّاتها يشبه مابيّناه في الصفات السابقة ، إضافةً إلى الخصوصيّات الموجودة في صفات بحثنا هذه.
* * *
__________________
(١) مصباح الكفعمي ، ص ٣١٩.