ويحمونه (لأنّ الرقبة من أهم أعضاء البدن فإنّها تُعدّ كناية عن كل وجود الإنسان) ، وإمّا لأنّهم يمدّون رقابهم وينظرون إلى ماحولهم بحذرٍ تحسُّباً من المخاطر ، لذلك يُطلق على المحل الذي يقف فيه مثل هؤلاء الأفراد (المرقَبْ) (١).
إلّاأنّه ذُكر في بعض كتب اللغة عكس هذا المفهوم ، أي أنّ المفهوم الأصلي لهذه الكلمة هو الحراسة والإشراف على الشيء ، وإنّما سمي العنق (بالرقبة) لأنّه يُستعان بحركاتها عند الحراسة والمراقبة بواسطة العين والأذن (٢).
وقد ورد في كتاب (العين) بأنّ أصل هذه الكلمة يعني (الإنتظار) ، وفي كتاب مقاييس اللغةبأنه يعني (الإستطالة برعاية شيء وحراسته).
وعلى أيّة حال فعندما تختصّ هذه الصفة بالباري تعالى فإنّها تعني الحافظ الذي لا يخفى عليه شيء.
ومن الطبيعي أنّ رعاية الله وحفظه لما في الوجود ، وجميع العباد ، وأعمالهم ، تكون بواسطة وجوده في كل مكان ، فلا حاجةَ له إلى نظرٍ أو مدّ رقبةٍ ، ولا ما شاكل ذلك من عوارض الموجودات الماديّة.
ووردت كلمة (مهيمن) في موضعين من القرآن الكريم ، الأول في الآية ٢٣ من سورة الحشر ، كصفة لله ، والتي ذكرناها أعلاه ، والثاني في الآية ٤٨ من سورة المائدة ، كصفة للقرآن الكريم.
وهناك رأيان حول أصل هذه الكلمة ، يتمثل الأول باعتقاد جماعة بأنّها مأخوذة من مادّة (هَيْمَنَ) أي بمعنى الرعاية والحفظ ، لكن الكثير من أرباب اللغة يعتقدون بأنّها مشتقة من مادّة (إيمان) التي تبدلت همزتها إلى هاء ، وتعني الواهب للسكينة والأمان ، وعندما تختصُّ هذه الكلمة بالباري تعالى فانّها تأتي بمعنى الحفيظ.
__________________
(١) المصباح المنير للفيومي.
(٢) التحقيق في كلمات القرآن الكريم.