أمّا البعد السابع : فهو أنّ رزقه بدرجة من السعة والشمول بحيث يبدأ منذ لحظة انعقاد النطفة في عالم الرحم ، ويستمر طيلة مرحلة وجود الجنين في بطن أُمّه ، وبعد الولادة من خلال حليبها وحنانها أيضاً ، حتّى لحظات الموت الأخيرة ، فهل من رازقٍ يُناظره؟ أجَلْ هذا سر قوله سبحانه (خير الرازقين).
واللطيف هو ماورد في روايات عديدة منقولة عن أهل البيت عليهمالسلام حول تفسير الآية الشريفة التالية : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ). (التكاثر / ٨)
(إنّ الله أجلّ من أن يسأل الناس يوم القيامة عن مأكلهم ومشربهم ، فهذا فضله على عباده ولن يسألهم عنه بل عن (العقائد الحقّة) ومن جملتها (نعمة الولاية) (١).
وعليه فقد عكست لنا هذه الرواية معنىً آخر من معاني (خير الرازقين) لأنّه سبحانه ـ طبق ماجاء في الحديث ـ لايسأل عن هذه الأرزاق!
أمّا السّر من اطلاق كلمة (الرزاق) على الباري تعالى ، ثم (ذو القوة المتين) فهو لأنّ كلمة (الرزّاق) صيغة من صيغ المبالغة ، وترمز إلى أنواع الأرزاق التي يهبها الله المنان لجميع المرتزقين ، لذا لا تليق هذه الكلمة إلّابشأنه ، بل وكما أشرنا سابقاً من أنّ سواه لايُمكن أن يكون (رازقاً) ناهيك عن أن يكون رزّاقاً.
لأنّ اولئك لايملكون شيئاً ليمنحوه للغير ، بل يمكنهم أن يكونوا واسطةً لإيصال الأرزاق إلى الآخرين.
وكلمةُ (متين) تعني المحكم ، وأخذت من مادّة (مَتْن) التي هي في الأصل تعني العضلتين
__________________
(١) واليك نماذج من تلك الاحاديث :
أ) عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على أبي جعفر عليهالسلام فدعا بالغداء فأكلت منه طعاماً ما اكلت طعاماً قط اطيب منه ولا الطف فلما فرغنا من الطعام قال : ياابا خالد كيف رأيت طعامك او قال طعامنا؟ قلت : جعلت فداك ما اكلت طعاماً أطيب منه قط ولا أنظف ولكن ذكرت الآية في كتاب الله عزوجل (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) فقال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّما يسئلكم عمّا أنتم عليه من الحق».
ب) عن الإمام جعفر بن محمد عليهالسلام أنّه قال : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) والله ماهو الطعام والشراب ولكن ولايتنا أهل البيت.
تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٥٠٢ ، ح ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣.