ومن جهةٍ اخرى فإنَّ التخلق بهذه الصفة الإلهيّة يقول للإنسان : كُن بحيث يسلم من لسانك وبدنك جميع الناس وكن ذا صُلحٍ وصفاءٍ معهم جميعاً.
أمّا كلمة (مؤمن) فهي مأخوذة من مادّة (أمن) ، كما قال صاحب مقاييس اللغة ، وهي ذات مَعْنَيين متقاربَيْن من بعضهما : أحدهما هو الأمانة في مقابل الخيانة التي تبعث على سكون القلب ، والآخر هو التصديق بشيءٍ معين.
ولكن لم يذكر الراغب في مفرداته سوى معنىً واحد وهو سكون النفس وزوال الإضطراب والخوف ، ولكون قبول الأصول العقائدية يمنح الإنسان السكينة والأمان فإنّه سُمّي بمصطلح (الإيمان) ، وقولنا (آمين) بعد الدعاء معناه : «اللهم صدِّق ذلك وحقِّقْه» ، لذا فقد فسّروه بمعنى طلب الاستجابة ، وكذلك يُسمَّى البعير المطمئِنٌ النشِطُ الذي لايَزِلُ (أمون).
وعلى أيّة حال ، عندما تستعمل هذه الكلمة كأسم من أسماء الله وندعوه بـ «المؤمن» فإنّها تعني من يمنح أولياءه وأحباءه الأمان ويترحم عليهم بالإيمان ، وقال البعض : إنّه تعالى يدعى بهذا الاسم لأنّه أوّل من آمن بذاته المقدّسة وصدّقها.
وقد احتمل الفخر الرازي ، في تفسيره ، هذا الإحتمال أيضاً وهو أنّ وصف الباري بصفة المؤمن معناه المصدّق رسُلَهُ بإعطائهم المعاجز (١). وقد قال المرحوم الكفعمي في مصباحه : «يحتمل أن يكون مفهومها من يُصدّق وعوده التي وعد عباده بها ، ويحققها» ، ثم نقل حديثاً عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «سُمّي سُبحانه مؤمناً لأنّه يؤمّنُ عذابَهُ مَنْ أطاعه» ، وقال البعض الآخر من المفسّرين : «المؤمن مَنْ يؤمّنُ ظلمه وجوره عباده» (٢) ، وقد ذُكرَ لها في تفسير «روح البيان» معنىً جامعٌ يضم أغلب المعاني المذكورة أعلاه وهو : المؤمن والذي لا يتحقق أي أمانٍ وسكينة إلّامن عنده.
وقد ذكر المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد ثلاثة معانٍ لها : «من يحقق وعوده ، ومن
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢٩٣.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٥٢٥ (ذكر هذا المعنى كأحد الاحتمالات).