فوصفت الآية الأولى الله سبحانه بـ (خَيرُ الرَّاحِمِينَ) ، لأنّ رحمته لا متناهية وتشمل المحب والمبغض ، الصالح والطالح ، فرحمته العامّة شملت الجميع ، ورحمته الخاصّة خصّ بها عباده المؤمنين ، وهو على أيّة حال لايريد منهم أي جزاءٍ أو ردٍ للجميل.
* * *
وقد وُصِفَ الباري في الآية الثانية بصفة (خَيرُ الحَاكِمِينَ) ، لأنّ ما يحكم به الآخرون مقرون بأنواع الأخطاء والانحرافات الناتجة عن الميول الشخصيّة والطائفيّة ، أو الأهواء المادية ، لكنّ حُكمه جلّ وعلا منزّهٌ عن أي خطأ وأي إفراطٍ وتفريط ، وأي ميلٍ إلى الباطل ، لأنّ علمه غير محدود وهو غنيٌّ عن العالمين.
* * *
وقد ذُكِرَ في الآية الثالثة باسم (خَيرُ الفَاصِلِينَ) ، لأنّ الناس لو أرادوا أن يميّزوا الحق من الباطل فإمّا أن يقعوا في الكثير من الإشتباهات ولا يميّزوا بينهما بصورة صحيحة ، وإمّا أنْ يلتبس عليهم التمييز بين الحق والباطل بسبب جهلهم ، أو يخلطوا بينهما بسبب تحكيم أهوائهم النفسانيّة.
أمّا الذي يعلم السرّ وما تخفي الصدور ، وأحاط بكل شيءٍ علماً فلا معنى عنده سبحانه لكل هذه الأمور ، فهو خير الفاصلين.
علاوةً على هذا فقد يشخّص الإنسان الحق من الباطل بصورة جيّدة لكنّه عاجزٌ عن إعمال علمه ومعرفته ، ولكن الله تعالى هو القادر الأزلي الوحيد الذي يستطيع إعمال علمه في كُلّ حال.
* * *