والآية الرابعة تحدّثت عن (خَيرُ الْفَاتِحِينَ) ، وكلمة (فاتح) مشتقّة من مادّة (فتح) ، فإن كانت بمعنى الحكم والقضاء فإنَّ مفهومها يعني «الله خير الحاكمين» ، وقد ذكرنا سبب ذلك فيما مضى ، وإن كانت (فتح) بمعنى فتح كل شيءٍ مغلق ، لكان سبحانه وتعالى أيضاً «خير الفاتحين» ، لأنّه لايصعُب شيء مقابل قدرته ، وإن كان المقصود منها فتح أبواب الرحمة فهو ذو رحمةٍ وسعت كل شيء في الوجود ، في حين لو كانت هنالك رحمة في الموجودات الاخرى فهي محدودة وجزئيّة.
وبالحقيقة أنّ لكلمة (فتح) معاني كثيرة جدّاً تعود جميعها إلى أصل الفتح المطلق ، فأحياناً فتح أبواب العلم والرحمة ، وأحياناً حلّ عقدة النزاع بين شخصين ، أو فتح (حل) عقدة الحرب ، ويظهر أنّ تعبير (خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) ذو معنىً واسعٍ جدّاً يشتمل على جميع هذه المعاني والمفاهيم.
وقد وصفت الآية الخامسة الباري تعالى بصفة (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، فالأرزاق التي يعطيها البعض لغيرهم (إنّ أمكن أن نسميّها بهذا الأسم) مشوبة بنقائص عديدة : محدودة ، سريعة الزوال ، لايُؤمَّل مُستقبلها ، وأحياناً تعقبها المنّة والأذى الجسماني أو الروحاني ، وأحياناً مصحوبة بالتحقير أو توقُّع ردّ الجميل.
في حين أنّ الأرزاق الإلهيّة لا تعرف الحدود ، ولا يُخشى عليها من الزوال ، ولا فيها أدنى شيء من المنّة والأذى وانتظار ردّ الجميل ، بل هي تشمل حال الإنسان أو غيره منذ لحظة انعقاده كنطفة تكوينة في رحم امّه ، وحتّى آخر لحظات حياته ، وتشمل حال المستحقين والمؤهلين لها في يوم القيامة أيضاً ، وبمستوىً أعلى وأسمى.
نقل أحد المفسّرين حكاية عن أحد خلفاء بغداد مع (بهلول) تعكس المباحث الواردة بصورة لطيفة.
يقول : قال خليفة بغداد لبهلول : تعال أُعطِكَ رزقك كل يوم لأُريحك من التفكير في طلب الرزق ، فأجابه بهلول قائلاً : لولا بعض النقاط السلبيّة في عملك لقَبِلْت! أولاً : إنّك لا تعرف ما احتاجه ، ثانياً : إنّك لا تعرف وقت حاجتي ، ثالثاً : ولا تعلم مقدارها ، رابعاً : قد