العقل حُسْن العدالة والإحسان ، وقبح الظلم والبخل ، وقتل الأبرياء؟ لقالوا : لا! فيجب الإستعانة فقط بتوجيهات الأنبياء وأولياءِ الله.
وفي مقابل هؤلاء يقف (المعتزلة) و (الشيعة) الذين يعتقدون باستقلال العقل في إدراك الحسن والقبح ، فمثلاً يعتبرون حُسن الإحسان ، وقبح الظلم من بديهيات حكم العقل.
طبعاً إنّهم لا يقولون : إنّ العقل قادرٌ على إدراك جميع المحاسن والمساوي ، لأنّ إدراكه محدود على أيّة حال ، بل يقولون : إنّ العقل يدرك القسم الواضح جدّاً منها ، ويُعدّونها من المستَقلات العقليّة.
ذكر (فاضل القوشچي) ثلاثة معانٍ للحسن والقبح :
١ ـ (صفة الكمال والنقص) ، كقولنا : الِعلمُ حسنٌ ، والجهل قبيحٌ ، لأنّ العلم يمنح صاحبه الكمال ، والجهل يخلّف النقصان.
٢ ـ الحسن بمعنى (التنسيق مع المقصود) ، والقبح بمعنى (عدم التنسيق مع المقصود).
هذا هو ما يُعبَّر عنه أحياناً ب (المصلحة) أو (المفسدة) فنقول : العمل الفلاني حسن ومن ورائه مصلحة ، أي يُقربنا أو يقرب المجتمع الإنساني من أهدافه ، أو الأمر الفلاني فيه مفسدة وقبيح ، لأنّه يُبعدنا عن الأهداف الأساسيّة ، سواءٌ كانت هذه الأهداف ماديّة أو معنويّة.
٣ ـ الحسن بمعنى (الأمور المستحقّة للثناء والثواب الإلهي) ، والقبح بمعنى (الأمور المستحقة للتوبيخ والعقاب).
ثم أضاف قائلاً : وموضع الشجار والنزاع بين الأشاعرة والمعتزلة هو هذا المعنى الثالث(١) (٢).
ولكن الحق هو أنّ هذه المعاني الثلاثة غير منفصلة عن بعضها ، لأنّ الثواب والثناء يعود إلى الأفعال والأعمال التي فيها مصلحة معينة ، وتقرّب الإنسان إلى مراحل الكمال طبعاً ،
__________________
(١) شرح تجريد القوشچي ، ص ٤٤١.
(٢) هنالك معنى رابعٌ للحسن والقبح والذي هو خارج عن بحثنا ، وهو الحسن بمعنى موافقة الطبع (الوجه الجميل) والقبيح بمعنى منافرة الطبع.