المقارن للنظام والحساب ، ظهرت مسألة التقنين ، فمثلاً قبل خلق المجرّات ، لم يكن هناك قانون الجاذبية لكي يستعمله الله في خلقه ، ولكن انبثق بعد خلق المجرّات ، وبتعبيرٍ آخر : إنّ قانون الجاذبية خُلقَ بعد خلق المجرّات مباشرةً.
ويصدُق هذا الكلام بخصوص جميع قوانين عالم الخلق والتكوين.
أمّا بالنسبة إلى القوانين التشريعيّة ، فالمسألة ذات طابعٍ آخر ، لأنّ الله عندما خلق الإنسان ، الذي يُعد النموذج الأتم للخلق ، لكي يسير في طريق التكامل ، وأودع فيه جميع وسائل الوصول إلى الكمال ، فمن المُسَلَّم لزوم تناسب قوانينه التشريعيّة مع هذا الهدف ، أي أن تكون القوانين بشكل تسوق الإنسان نحو الكمال ، وإلّا لتنافت مع حكمة الله.
أفيمكن أن تتناقض وتتضاد أفعال الحكيم؟!
فالظلم سبب فساد وسقوط وتأخُّر العالم ، والعدل سبب تكامله وارتقائه ، وما الله بظالم ولا بمخرّب قواعد تكامل الإنسان.
وبتعبيرٍ آخر فإنّ أفعال الله التشريعيّة تنبع من أفعاله التكوينيّة ، ومن هنا ينشأ الحسن والقبح بالضبط ، لا أن يكون الله خاضعاً لقانونٍ آخر ، بل إنّ جميع القوانين الموجودة هي قوانينه في عالم الدين والشريعة متناغمة مع قوانينه في عالم الوجود ، وإلّا لكان ناقضاً لقوانينه بذاته ، وهذا ليس من فعل الحكيم.
وقول البعض : (إنّ الله لا يخضع لحكم العقل ، ولا يُمكن للعقل أن يفرض عليه شيئاً معيناً) يُعَدُّ مغالطة صبيانية ، لأنّ وظيفة العقل هي الإدراك لا تعيين الوظيفة ، أي التفكّر والفهم لا التقنين والتشريع.
فالعقل يقول : إنني أفهم أَنَّ الحكيم لا يفعل الأفعال المتناقضة والمتضادة ، أفهم أَنّ الله لا ينتقض وعده ، وأفهم أنّ الموجود الكامل من جميع النواحي لا يظلم ، أي لا يضع الشيء في غير محلّه المناسب.
إنّ كل هذه الأمور هي من إدراك وفهم العقل ، لا تعيين التكليف والوظيفة لله تعالى ، لذا فكما يدرك العقل أَنّ ٢+ ٢ / ٤ ، كذلك يدرك أَنّ الحكمة تتنافى مع نقض الغرض ، فالله