الحكيم الذي خلق الوجود من أجل الصلاح والكمال لن يدفع به نحو الإنحطاط والفساد ، فلم يقنّن العقل بأنّ ٢+ ٢ / ٤ ، إنّما هو فقط من إدراكه.
وكذا الحال في مسائل الحسن والقبح التي تعود جذورها إلى المسائل التكوينيّة ، فدور العقل فيها هو إدراك الحسن والقبح فقط لاالتقنين ، (فتأمل).
ولا يخفى أنّ العقل يحاول إدراك الموجودات والمعدمات ، الواجبات وغير الواجبات ، وهو ذو بعد إرشادي ، بالضبط كأوامر الطبيب ، فعندما يُدرك الطبيب ضرر غذاءٍ ما للمريض يقول له : يجب عليك أن تتجنب تناول هذا الغذاء ، فكلمة (يجب) هذه ليست قانوناً تترتب على تركه عقوبة معينة ، بل هي مجرّد إرشاد وتوجيه لا غير ، وإن لم يعمل ذلك المريض بموجبه فإنّه سوف لن يؤدّي سوى إلى ضرره (ولكن من الواضح أنّ أوامر العقل الإرشادية ليس لها علاقة بساحة القدس الإلهيّة).
وخلاصة الكلام هو أنّ دور العقل بالنسبة إلى الأفعال الإلهيّة هو فهم الحقائق ، لا تعيين تكليف لله تعالى ليُقال : إنَّ الله أكبر من أن تعيّن عقولنا له تلكيفاً معيناً.
٤ ـ يجب أن لا يَصير الاعتقاد بمسألة الجبر منشأً لإنكار العدالة والظلم ـ صحيح أنّ الأخطاء تؤدّي إلى أخطاء ، اخرى دائماً ، والزلات تصدر من زلات اخرى ، ولكن ينبغي عدم الإصرار على الأخطاء بحيث يؤدّي إلى إنكار الواضحات.
لا ريب في أنّ مسألة (العدل الإلهي) أو (حسن العدل) و (قبح الظلم) أوضح من مسألة حريّة إرادة الإنسان ، وعلى فرض عدم وضوح مسألة الجبر والتفويض بالنسبة للبعض فإنّها لا تكون دليلاً لإنكار مسألة العدل.
لقد واجه (الجبريّون) هذه المعضلة دائماً ، وهي كيف يُمكن التصديق بأنّ الله يجبر عباده على المعاصي ثم يؤاخذهم عليها؟ وهذا يتنافى مع عدالته!
هذا دليلٌ منطقيٌ واضح ، لكن الجبريين وبدلاً من أن يقوموا بتصحيح آرائهم في مسألة الجبر ، ذهبوا إلى إنكار العدل الإلهي أو قالوا : كل ما يصدر منه عين العدل حتى معاقبة المجبرين.