إنّ الصورة التي رسمها هؤلاء في أذهانهم عن الله عجيبة ورهيبة حقاً ، الله الذي من الممكن أن يُلقي جميع الأنبياء ، والمرسلين ، والملائكة المقرّبين ، والشهداء ، والصديقين في قعر جهنّم ، ويُدخل جميع الأشقياء والظالمين ، وأشرار التاريخ البشري ، والشياطين في أعلى عليين في الجنّة ، الله الذي يجبر جماعة على المعصية وجماعة اخرى على الطاعة ، دون مبرّر ، ثم يثيب المحسن ويعاقب المسيء ، والحال أنّه لا يوجد أي تفاوت بين حقيقة حالهم!
ومن المسلَّم به أنّ هذه الصورة القبيحة والموحشة تُبعّد الناس عن الله وتغلق باب معرفة الله ، وستؤدّي إلى نشوء كل ألوان القبائح والمظالم في المجتمع البشري ، وتُظهر الدين بمظهر الأفيون والفساد والفوضى ، وتُسبب سوء الظن تجاه جميع عالم الوجود.
وخلاصة الكلام هو أنّ الإصرار على مسألة الجبر يجب ألّا يؤدّي إلى إنكار العدل ، بل بالعكس ، يجب أن يؤدّي إلى وضوح مسألة العدل الإلهي إلى تجديد نظر الجبريين في عقيدة الجبر.
وما أكثر المسائل البديهية الواضحة التي اختفت خلف حجب الإنكار بسبب الإصرار والعناد في إثبات بعض المسائل النظرية غير الواقعيّة.
٥ ـ ذكرنا سابقاً أنَّ إشكالات بحوث المعاد قد تؤدّي أحياناً إلى التشكيك في مسألة العدل الإلهي ، فعندما يدور الكلام حول مسألة خلود جماعة من المذنبين في النار يُطرَحُ هذا السؤال : كم كان مجموع عمر هذه الجماعة؟ ٥٠ سنة ، ٧٠ سنة ، أو مائة سنة ، فالعدالة تفرض تَساوي الذنب والعقوبة ، فما معنى العذاب الأبدي مقابل هذا العمر القصير إذن؟
لكن وكما قُلنا يجب التفكير بأسلوب منطقي لحل المسائل في مثل هذه الإشكالات ، وبالمناسبة فإنّ حل إشكال الخلود له طرق واضحة ، لأنّ الإشكال أعلاه ينشأ من خطأ قياس العقوبات الإلهيّة ـ التي هي نتيجة أعمال نفس الإنسان ـ مع العقوبات الوضعيّة.
ويجدر توضيح ما يبدو من الآيات والروايات والشواهد العقلية أنّ العقوبات الأخروية لها شَبهٌ كبير بالآثار الطبيعيّة لأعمال الإنسان الدنيوية ، فمثلاً أنّ مَنْ يُفرط في تناول