وكان يبدو لموسى عليهالسلام أنَّ العمل الأول اتلاف مال الغير ، والثاني اتلاف النفوس ، والثالث اتلاف الحق الخاص.
ولكن عندما كشف (الخضر عليهالسلام) ، ذلك العالم الكبير الذي كان يُعَدُّ في هذه الواقعة بمنزلة استاذ ومعلّم لموسى عليهالسلام ، حجباً عن أسرار عمله تأسف موسى عليهالسلام على استعجاله في القضاء بشأن تلك الأمور ، لأنّه عرف أنّ من وراء ظاهر هذا العمل القبيح أسراراً خفيّة تعود بالمصلحة للمستضعفين في النهاية!
فخرق السفينة وإعابتها المؤقتة حال دون غصبها من قبل سلطانٍ جبّارٍ غاصبٍ كان يغصب جميع السفن السليمة.
وبقتل ذلك الشاب غير المؤمن والكافر الظالم (الذي كان مستحقّاً لمثل هذه العقوبة حسب القوانين الإلهيّة) قد خلّص أبويه المؤمنَيْن من الخطر.
وبترميمه ذلك الجدار الذي كان مُشرفاً على الإنهيار كان قد حفِظَ كنزاً لطفلَيْن يتيميْن ، والذي كان يُعدُّ إرثاً خلّفه لهما أبوهما المؤمن ليستفيدا من أوان بلوغهما سنَّ الرشد.
كان الخضر عليهالسلام إنساناً عاقلاً حكيماً ولكنه بالقياس إلى علم الله وحكمته لا يُساوي شيئاً مذكوراً ، وكانت أعماله في الظاهر بدرجة من القباحة بحيث لا يُمكن في باديء الأمر توجيهها بأي بيان ، وكان هذا هو السبب في استنكار موسى واعتراضه عليها ، لكن أسرارها الإنسانية والمنطقيّة انكشفت تماماً بتوضيحٍ قصير ومختصر من قبل الخضر عليهالسلام ، واقتنع بها موسى عليهالسلام بصورة تامّة.
يمكن الاستفادة من هذا البيان القرآني كقانون كُلّي ، والإستنارة به لمعرفة حقائق الأمور الظاهرية التي قد نشاهدها أحياناً في عالم الوجود ، واعتباره جواباً إجمالياً لنستيقن بالأسرار الخفية المحتمل وجودها من وراء هذه الظواهر.
٤ ـ وتُلاحظ إشارة اخرى إلى هذا الموضوع في قصّة قارون ، ذلك الرجل الثري والأناني الظالم من بني اسرائيل ، في الموضع الذي استعرض قارون يوماً ما كان يملكه من الثروات الطائلة والنفيسة (من الخيول والغلمان والإماء والمجوهرات الذهبية) أمام أنظار