والقول بأنّ المقصود من (سُخريّاً) هو (الإستهزاء) احتمالٌ ضعيفٌ جدّاً طُرح في بعض التفاسير بعنوان رأي غير مقبول.
ونُلاحظ في موضعٍ آخر : (وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِّيَبلُوَكُم فِى مَا آتَاكُمْ). (الأنعام / ١٦٥)
ونظراً إلى عدم كون هدف الإمتحان الإلهي معرفة حقيقة الأشخاص واكتشاف الأمور الخفيّة ، لأنّ الله محيط بكل شيءٍ علماً ، بل المقصود منه تربية البشر في البلاء والإمتحان ليخلُصوا ويقوى تحملهم ، وبتعبيرٍ آخر : إنّه وسيلة لتكاملهم ، لذا فالآية تقول : إنَّ هذا سبب التكامل (المادي والمعنوي).
وهناك نموذجٌ آخر : هو ما جاء في الآيات التي تُشير إلى تفاوت واختلاف نصيب الناس من الأرزاق ، فغالباً ما يَسأل بعض الأفراد : لِمَ هذا غنيٌّ وذاك فقير؟ والقرآن يُجيب عن هذا السؤال بصورة إجمالية من خلال الآيات المختلفة ويقول : إنّ تقسيم الرزق بين العباد يجري وفق حسابٍ دقيق وبرنامج منظّم مفعم بالأسرار ، ولو أنّ الناس لا يعلمونه ، كما ورد في سورة الإسراء : (إِنَّ رَبَّكَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقدِرُ إِنَّه كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً). (الاسراء / ٣٠)
طبعاً يجب عدم خلط التفاوت الإلهي الواقعي والطبيعي مع التفاوت الوضعي الناشىء عن الإستثمار والاستعمار ، واحتسابها جميعاً على إرادة الله ، فالمسألة تتخذ طابعاً آخر في هذه الحالة وتخرج بشكل تفسيرٍ انحرافي وتؤدّي إلى التخلُّف الأقتصادي والاجتماعي ، والقرآن مخالف جدّاً للنوع الثاني ، بل ويُحاربه أيضاً.
ويُلاحظ في الروايات الإسلامية وجود إشارت غنيّة بشأن هذا المطلب ، كقول علي عليهالسلام : «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا» (١).
* * *
__________________
(١) منتهى الأمال ، ج ٢ ، ص ٢٢٩.