ولكن المستفاد مما ورد في القرآن الكريم والسنة المقدسة في هذا الأمر أنّه اهتم بالموضوع من ناحيتين :
الأولى : أصل ثبوت الملكية عند الفرد ، واعتبر فيه أن يكون من الحلال ففتح أبواب حيازة المباحات ، وأبواب المكاسب والتجارات ورغب إلى سائر الفنون والصناعات واهتم بالزراعة وحببها إلى الإنسان وجعل الزارع والكاسب حبيبه تعالى في أرضه ، ونظم ذلك بأحسن نظام ووضع حدودا محكمة متقنة مذكورة في الكتب الفقهية ، واعتبر أنّ كلّ ملكية تحصل من غير الوجه المقرّر شرعا ملغاة لا اعتبار بها فحرّم الغصب ، والابتزاز ، والغش ، والخيانة.
الثانية : صرف المال فاعتبر أن لا يكون في الباطل ، وقد ذكر في القرآن الكريم وجوها منه ، مثل الإسراف ، والتبذير ، والرشوة ، ووجوه الحرام ، وغير ذلك مما هو مذكور في السنة الشريفة الشارحة للقرآن الكريم.
وأعظم آية في القرآن ترشد إلى هاتين الناحيتين قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) [النساء ـ ٢٩]. فإنّها بمنزلة الشرح والبيان لجملة كثيرة من الآيات الشريفة الواردة في هذا الموضوع. ومن توجيه الخطاب إلى المؤمنين يستفاد أنّ مراعاة الحدود التي حدّدها الشارع الأقدس في الملكية إنّما يمكن مع تحقق وصف الإيمان فبدونه يصعب على الإنسان ابتغاء الغاية المتوخاة من المال ، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
ثم إنّه يستفاد من قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّ علم الحاكم أو المدعي بشيء لا يغير الواقع ، فلو ادعى الخصمان في مال لدى الحاكم ويعلم المدعي أنّه باطل لا يجوز له أخذ ذلك المال ، وإن حكم الحاكم بكونه له بحسب الظاهر ، ويدل على ذلك قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في المتواتر عنه بين الفريقين : «إنّما أقضي بينكم بالبينات والأيمان إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا يأخذه فإنّما أقطع له قطعة