والأول : موافق للمصالح الواقعية المترتبة عليه كإتمام الحجة ، أو إظهار مقام العبد ودرجته عند غيره في الدنيا والآخرة ، أو اعتبار غيره به ، أو تعويضه عن ذلك بعوض أحسن وأفضل في الدنيا أو الآخرة أو هما معا إلى غير ذلك من المصالح التي لا تبلغها العقول ، وفي الحديث عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «المؤمن خلق مفتنا»
أي ممتحنا يمتحنه الله تعالى بما يشاء له.
والثاني : إنّما هو لإزالة الجهل وتحصيل العلم غالبا. وربما يكون ممدوحا كما أنّه ربما يكون مذموما ، ويختلف بحسب الجهات والخصوصيات.
والمراد به هنا الشرك وصرف المسلمين عن دينهم بكلّ سبيل قتلا وتعذيبا وإغراء.
وهذه الآية قضية عقلية من مداليل الفحوى والأولوية ، يعني : إذا أرادوا قتلكم فاقتلوهم ، كما أنّهم إذا كانوا في معرض الافتتان بالكفر والشرك فاقتلوهم بالأولى ، لأنّ في القتل انقطاع الحياة الدنيا ، وفي الفتنة انقطاع حياة الدنيا والآخرة ، وأنّ الضال المضل منشأ الفساد والإفساد ، فيوهن قوى المجتمع ، ولذا أوعد الله تعالى عليه أشد العذاب فقال جل شأنه : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج ـ ١٠].
كما أنّ في قتلهم إياكم إزالة حياة نفر منكم في الظاهر مع بقاء الحياة الأبدية ، وأما الافتتان بالشرك والكفر إزالة للحياة الأبدية الدائمة ، فيكون أشد لا محالة. ولذلك نظائر كثيرة في المحاورات الفصيحة ، مثل قول الشاعر :
جراحات السّنان لها التيام |
|
ولا يلتام ما جرح اللسان |
وقولهم :
قتل بحدّ السيف أهون موقعا |
|
على النفس من قتل بحدّ فراق |
والآية بمجموعها تبيّن حكما من الأحكام النظامية الاجتماعية ، فإنّ فيها قمع مادة الشرك وإزالة مناشئ الشرك والكفر بعد الجحود والإصرار عليهما.
وفيها أحكام ثلاثة : قتل المشركين ، والإخراج من ديارهم كما أخرجوا