الحرام في هذا المكان ، أو لأنّ الله عزوجل يتجلّى لأهل عرفات ، أو لأجل أنّ في هذا المكان يعرف العباد أنفسهم إلى الله تعالى بالدعاء والثناء ، أو لأجل أنّ الناس في هذا المكان يعرف بعضهم بعضا ، أو لأجل ارتفاع المحلّ ارتفاعا ظاهريا أو معنويا من عرف الدّيك.
والآية تدل على الوقوف في عرفات بالملازمة فإنّ الإفاضة من محلّ يستلزم الكون فيه لا محالة. مع أنّ الكون فيها كان معهودا في الجاهلية وقرره الإسلام ، وإنّما يراد بيان بقية أعمال الحج ، فالموضوع مفروض الوجود عند بيان اللواحق والأحكام.
قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ).
وهو المزدلفة ، وجمع. وسمي مشعرا لأنّه معلم لشعائر الله تعالى وعبادته ، وهو المكان المعروف. والمراد بالذّكر هو الصلاة ، والتهليل ، والتسبيح ، والدّعاء ، وهو ما يعلم الواجب والمستحب.
والآية المباركة تدل على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام ولو بالمسمّى الذي هو الكون لدلالة الذّكر عليه وإن كان بالملازمة.
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).
تأكيد للجملة السابقة وترغيب إلى ذكره تعالى والحث على الإقبال إليه وإرشاد للإنسان إلى أنّه ينبغي أن يكون على ذكره تعالى دائما أي : واذكروه بالثناء والشكر على هدايته إيّاكم وأنّكم كنتم من قبل الهدى لمن الضالين.
وال (واو) للحال و (ان) مخففة من الثقيلة لدلالة اللام عليه ، وهي تفيد التأكيد.
والمستفاد من الآية الشريفة : أنّ ذكر المنعم وشكره لا بد أن يكون لأجل نعمته ، ولا نعمة أولى وأحسن وأتم وأكمل من الهداية إلى الإيمان وترك الكفر والضلال.
١٩٩ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ).