كذكرهم لآبائهم لئلا ينزجروا عن طريقتهم التي كانوا عليها ثم قال : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) لتقريب أنّ نعم الله عليهم وعلىءابائهم أكثر وأجل وأعلى من كل نعمة فلا بد وأن يكون الذّكر بما يناسب جلال الله ونعمائه.
قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا).
تفريع على ما تقدّم. وهو بيان لبعض أحوال الناس المختلفة ، فإنّهم بالنسبة إلى السؤال من الله تعالى على أقسام :
فمنهم : من يطلب منه تعالى الدنيا فقط مع الغفلة عن الآخرة.
ومنهم : من يطلب الدنيا من حيث كونها طريقا لتحصيل الآخرة.
ومنهم : من يطلبهما معا.
ومنهم : من يطلب الآخرة فقط. والثاني يرجع إلى الثالث في الواقع. كما أنّ الأخير يرجع إليه أيضا لأنّ طلب الدنيا إذا كان للظفر بالآخرة يكون من طلب الآخرة وبقي قسمان قسم يدعو لدنياه فقط وهو الذي ذكره تعالى بأنّه ليس له في الآخرة من خلاق وقسم يدعو لدنياه وآخرته وهو الذي مدحه تعالى ، وهذا التقسيم حقيقي واقعي.
والمراد من الناس : مطلق أفراد الإنسان الأعم من المؤمن وغيره فإنّه من يطلب الدنيا ولا يبغيها إلا لأجل المفاخرة.
كما أنّ المراد من القول الأعم من السؤال بالمقال والطلب بلسان الحال.
وإنّما أجمل سبحانه وتعالى المتعلّق في قوله تعالى : (آتِنا فِي الدُّنْيا) لاختلاف مراد الناس ولأنّه كالمعلوم ولبيان أنّ الدنيا أكبر همه وهو يريدها بأي وجه كان.
والمعنى : إنّ من الناس من يطلب من الله تعالى الدنيا مع الغفلة عن الآخرة.