قوله تعالى : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).
مادة (خلق) تأتي بمعنى التقدير المستقيم سواء كان من شيء كقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [النحل ـ ٤] ، وقوله تعالى : (خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن ـ ١٥] ، أو من غير شيء ولا مادة بل إبداعا كقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [إبراهيم ـ ٣٢] ، بانضمام قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة ـ ١١٧] والثاني مختص به تعالى ، بل الأول أيضا إذ لم يطلق في القرآن إلا بالنسبة إلى عيسى (عليهالسلام) قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [المائدة ـ ١١٠] ، ولكنّه مقيّد في جميع ذلك بكونه من إذنه تعالى.
وهذه المادة كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم بهيئات شتّى بالنسبة إلى الجواهر والأعراض ، والنبات والحيوان والإنسان والدنيا والآخرة.
وهيئة (خلاق) لم تستعمل في القرآن إلا في موارد ثلاثة كلّها مضافة إلى الآخرة أحدها المقام ، والثاني قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة ـ ١٠٢] ، والثالث قوله تعالى : (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [آل عمران ـ ٧٧] ، وهو بمعنى النصيب وتقدير الخير ، ويأتي بيان ما يتعلق بسائر هيئات هذه المادة في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
والمعنى : إنّه ليس لهذه الطائفة الذين يطلبون من الله تعالى الدنيا فقط نصيب في الآخرة ، لأنّهم أعرضوا عن الآخرة ولم يعملوا لها فقد استولى على قلوبهم حبّ الدنيا ولم يعملوا إلا لأجلها وحليت الدنيا في أعينهم فكانت هي الحسنة عندهم فقط دون غيرها فلم يرجوا غيرها ولم يدعوا الله تعالى إلا إيتاءها ولم يؤمنوا بالآخرة فلم يعملوا لها.
وفي الخطاب كمال المعاتبة والتوبيخ في أنّهم سألوا ما هو المتفاني والزائل وطلبوا أدون المطالب وأعرضوا عن الحياة الباقية والنعيم الدائم