الحساب في مرتبتي القضاء والقدر أيضا لأنّهما من صفات الفعل أيضا ، وإن رجعا إلى العلم والحكمة فيكونان من صفات الذات لكون العلم والحكمة من صفات الذات ، ولا بأس بأن تكون بعض الصفات برزخا بينهما باعتبار منشأ انتزاعهما.
والأولى جعله من صفات الذات لكونه من أجلى مظاهر علمه التام الكامل جلّ شأنه ، ويدل عليه ما عن بعض الأعاظم من المحدّثين والفلاسفة بل نسب إلى الرواية أيضا : «من أنّ كلّ صفة لا يصح إطلاق خلافها عليه تكون من صفات الذات وما صح إطلاق خلافها عليه عزوجل في الجملة فهي من صفات الفعل» وعليه لا يصح إطلاق خلاف سريع الحساب عليه فهو صفة الذات.
وقد ذكر ذلك في جملة من الآيات الشريفة قال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [آل عمران ـ ١٩] ، والمراد به جميع ما يتعلق بيوم القيامة من الجزاء ومقدماته وهو يرجع إلى قهاريته.
وإطلاقه يشمل سرعة مجازاة العباد على أعمالهم في الدنيا والعقبى فهو تعالى يسرع في الحساب ويجازي الصنفين من عباده ولا اختصاص لحسابه بخصوص جزاء أعمال عباده بطائفة دون أخرى أو بعالم دون آخر ، بل شؤون جميع الممكنات حدوثا وبقاء داخلة تحت تربيته العظمى الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء بل عمّت قهّاريّته من أول حدوث العالم إلى آخر ما يتصوّر من الخلود وهذا هو مقتضى الملازمة بين المبدأ والمعاد.
وإنّما عبّر عن الجزاء بالحساب لأنّ الجزاء كفاء العمل فهو حساب له. ولعلّ ذكره في المقام لأجل دفع ما يتوهّم من عدم إمكان الإحاطة بحوائج كلّ واحد من أهل هذا المجمع الذي هو الحشر الأصغر كما في بعض الروايات فأزال سبحانه وتعالى هذا الوهم بقوله جلّ شأنه إنّه (سَرِيعُ الْحِسابِ) يحيط بهم وبأعمالهم ويجازيهم على إيمانهم.